فهو من الصائمين (١)(وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) والحافظ لفرجه الذي يحفظه عما لا يحل له ، وأراد ب (الْحافِظاتِ) الحافظاتها (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) والذاكر كثيرا الذي لا يخلو من ذكر الله بقلبه أو بلسانه أو بهما والاشتغال بالعلم النافع وتلاوة القرآن والدعاء من الذكر ، قيل : من صلى الصلوات الخمس فهو من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات (٢)(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) خبر (إِنَّ) والعطف بالواو وبين الذكور والإناث كالعطف بين الضدين إذا اشتركا في حكم واحد ، وأما عطف الزوجين على الزوجين فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع ، وكان المعنى : أن الله أعد للجامعين والجامعات لهذه الطاعات العشرة (مَغْفِرَةً) لذنوبهم (وَأَجْراً عَظِيماً) [٣٥] هو الجنة.
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٣٧))
قوله (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) نزل حين خطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم زينب بنت جحش على مولاه زيد بن حارثة ، فأبت وأبى أخوها عبد الله (٣) ، أي ما كان لمؤمن وهو عبد الله ولا مؤمنة وهي زينب (إِذا قَضَى) أي حكم (اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) وهو خطبتها لزيد (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) وهي الاختيار ، والأصل أن يقال له الخيرة بتوحيد الضمير لكن المؤمن والمؤمنة لما وقعا (٤) تحت النفي عما (٥) كل مؤمن و (٦) مؤمنة فرجع الضمير إلى معنى الجمع فقال لهم الخيرة ، أي ليس لهم أن يختاروا (مِنْ أَمْرِهِمْ) شيئا بل الحق أن يريد ، وأما أراد الله ورسوله ويجعلوا اختيارهم تبعا لاختياره واختيار رسوله (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في حكمهما (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [٣٦] أي بينا فهو وعيد لهم فرضيت زينب وأخوها فأنكحها إياه وساق عن قبل زيد إليها مهرها (٧) ستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر وبقيت بالنكاح (٨) معه مدة ، فجاء النبي عليهالسلام يوما إلى بيت زيد فرآها فأعجبته فقال سبحان الله مقلب القلوب وانصرف فجاء زيد وأخبرته بذلك فألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجاء النبي عليهالسلام فقال أريد طلاق صاحبتي ، فقال ما لك (٩) أرابك شيء منها ، قال : لا والله ما رأيت إلا الخير ولكنها تتعظم علي لشرفها وتؤذيني ، فقال له : أمسك عليك زوجك واتق الله ، ثم طلقها زيد بعد فنزل (١٠)(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالإسلام الذي هو أجل النعم (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بعتقه ومحبته (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) يعني زينب (وَاتَّقِ اللهَ) فلا تفارقها الطلاق ، وقصد عليهالسلام بذلك (١١) نهي تنزيه لا تحريم ، لأن الأولى لا أن لا يطلق (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) أي الذي الله مظهره والواو للحال يعني تقول لزيد أمسكها مخفيا في نفسك إرادة أن لا يمسكها لتعلق قلبه بها (وَتَخْشَى النَّاسَ) أي وتخفي خاشيا مقالة الناس (وَاللهُ) أي والحال أن الله (أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) لئلا يجتمع بين قولك أمسك وإخفاء خلافه وخشية الناس ، وهذا عتاب شديد له عليه
__________________
(١) أخذ المفسر هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٤٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٦٦.
(٢) هذا الرأي مأخوذ عن البغوي ، ٤ / ٤٦٦.
(٣) هذا منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٥١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٦٧ ؛ والكشاف ، ٥ / ٤٣.
(٤) وقعا ، ح ي : وقعتا ، و.
(٥) عما ، وي : فعما ، ح.
(٦) لا ، + ح.
(٧) مهرها ، وي : مهرا ، ح.
(٨) بالنكاح ، وي : ـ ح.
(٩) ما لك ، ح : ما بك ، وي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٤٤.
(١٠) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٥١ ـ ٥٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩ والكشاف ، ٥ / ٤٤.
(١١) بذلك ، ح : ـ وي.