السّلام في ستر ما أراد الله وهو في نفسه مباح لا عيب فيه عند الله لحكمة يعلمها ، قالت عائشة رضي الله عنها : «لو أن رسول الله كتم شيئا مما أنزل عليه لكتم هذه الآية» (١) ، فطلقها زيد ، فلما انقضت عدتها قال عليهالسلام لزيد : أنت أوثق بي من غيرك اذهب إليها فاخطبها علي ، قال زيد فانطلقت فاذا هي تخمر عجينها فلم أستطع أن أنظر إليها لرسول الله فوليت ظهري ، وقلت يا زينب أبشري إن رسول الله يخطبك ففرحت ، وقالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها فنزل قوله تعالى (٢)(فَلَمَّا قَضى) أي أتم (زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) أي حاجة (زَوَّجْناكَها) فتزوجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودخل بها وما أو لم على امرأة من نسائه ما أو لم عليها ، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) أي ضيق من تزوج زوجة الابن المتبنى لهم ، واللام زائدة في (لِكَيْ) ، لأن كي تكفي (٣) للتعليل ، يعني فلعنا ذلك لدفع الحرج عنهم (فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) أي الذين تبنوهم (إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) يعني ليعلم أن نكاح زوجة المتبنى حلال بخلاف زوجة الابن الصلبي وكانت زينب تفتخر على أزواج النبي عليهالسلام ، وتقول أنتن زوجكن آباؤكن وأما أنا فرب العرش زوجني من رسوله (٤)(وَكانَ أَمْرُ اللهِ) الذي يريد أن يكونه وهو تزوج النبي عليهالسلام إياها (مَفْعُولاً) [٣٧] أي مكونا لا محالة.
(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨))
(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ) «من» زائدة بعد النفي ، و (حَرَجٍ) اسم (كانَ) الناقصة ، والخبر (فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) أي فيما أوجب وقسم (سُنَّةَ اللهِ) أي سن ذلك سنة (فِي) الأنبياء (الَّذِينَ خَلَوْا) أي مضوا (مِنْ قَبْلُ) أي من قبلك وهي الإباحة والتوسيع عليهم في باب النكاح بلا حرج ومؤاخذة ، فانهم كانوا أكثر منك نساء كداود وسليمان ، فان له كانت ثلثمائة امرأة وسبعمائة سرية ولأبيه ثلثمائة سرية ومائة امرأة (٥) ، قوله (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [٣٨] أي قضاء مقضيا ، يعني حكما مبتوتا.
(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٣٩))
قوله (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) محله من الإعراب يحتمل الجر على الوصف للأنبياء والرفع والنصب على المدح حملا على «هم» أو أعني ، قوله (وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) تعريض بعد التصريح في قوله (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) ، أي الأنبياء متصفون بأنهم لا يخشون إلا الله (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) [٣٩] أي كافيا للمخاوف أو محاسبا على الصغيرة والكبيرة ، فيجب أن يكون حق الخشية من مثله.
(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠))
(ما كانَ) أي لم يكن (مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) أي من الذين لم يلدهم فلا يحرم عليه نكاح زوجة من تبناه بعد افتراقها وانقضاء عدتها ، وقوله (مِنْ رِجالِكُمْ) موضح لذلك حيث لم يقل من رجاله ودخل الحسن والحسين في جملة بنيه ، لأنهما من رجاله لا من رجالكم (٦) فلا يكون أبا حقيقة لمن تبناه (وَلكِنْ) كان (رَسُولَ اللهِ) وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم والشفقة والنصيحة لا في سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء ، والادعاء والتبني من باب الاختصاص والتقريب لا غير فزيد كذلك من رجالكم الذي ليسوا بأولاده حقيقة ، وكان حكمه حكمهم (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) بالنصب ، أي وكان خاتم النبيين ، وبالرفع على
__________________
(١) انظر البغوي ، ٤ / ٤٦٨.
(٢) نقله المصنف عن الكشاف ، ٥ / ٤٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٦٨ ـ ٤٧٠.
(٣) تكفي ، ح و : يكفي ، ي.
(٤) من رسوله ، وي : من رسول الله ، ح.
(٥) انظر في هذا الموضوع إلى تفسير قوله أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ، رقم الآية (٥٤) من سورة النساء.
(٦) من رجاله لا من رجالكم ، ح ي : من رجالكم ، و.