هو (١) خاتم النبيين ، فلو كان له ولد بالغ مبلغ الرجال (٢) لكان نبيا ، وروي أنه قال في إبراهيم حين توفي : «لو عاش لكان نبيا» (٣) بعده فلا نبي بعده وإن نزل عيسى بعده فهو ينزل بشريعته ويصلي إلى قبلته فكأنه من أمته ، وقرئ «خاتم» بفتح التاء كالطابع ، أي ختم به الأنبياء وبكسرها اسم فاعل (٤) ، أي ختم هو بنفسه الأنبياء فلا بعده ، أي لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبئ قبله (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [٤٠] أي بكل من يصلح للنبوة وغيرها.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ) أي أثنوا عليه بما هو أهله من ضروب الثناء كالتكبير والتهليل والتقديس والتمجيد (ذِكْراً كَثِيراً) [٤١] أي ذكرا دائما على كل حال إلا أن تكونوا مغلوبي العقل ، روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «تصدأ هذه القلوب كما يصدأ الحديد ، قيل : يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال : تلاوة القرآن وكثرة ذكر الله وذكر الموت» (٥) ، وروي أيضا : «ليس شيء من العبادات أفضل من ذكر الله ، لأنه لم يقدر له مقدارا وأمر بكثرته» (٦).
(وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢))
(وَسَبِّحُوهُ) أي قولوا له التسبيح باللسان كسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، قيل : هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب (٧) ، وقيل : معناه صلوا له (٨)(بُكْرَةً) في الصبح (وَأَصِيلاً) [٤٢] أي في الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣))
(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) فصلوته مغفرته ورحمته لخلقه ، وصلوة الملائكة الدعاء والاستغفار للمؤمنين (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي يفعل ذلك بكم ليخركم من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة أو من الكفر إلى الإيمان أو من النار إلى الجنة برحمته ودعاء ملائكته (وَكانَ) الله (بِالْمُؤْمِنِينَ) أي الموحدين (رَحِيماً) [٤٣] بادخالهم الجنة.
(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤))
قوله (تَحِيَّتُهُمْ) مصدر ، مضاف إلى المفعول ، أي تحية الله إياهم (يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) فيعظمهم بسلامه عليهم يوم القيامة ، وقيل : «عند قبض أرواحهم يقول ملك الموت الله يقرئك السّلام» (٩) ، وقيل : يسلم الله عليهم عند دخول الجنة أو يسلمون على الله فيها أو يسلم عليهم الملائكة عند خروجهم من القبور أو يسلم بعضهم على بعض في الجنة استبشارا (١٠)(وَأَعَدَّ لَهُمْ) أي للمؤمنين (أَجْراً كَرِيماً) [٤٤] هو الجنة.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥))
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) حال مقدرة من كاف «أرسلناك» لأنه لا شهادة له عليهم وقت الإرسال ، أي مقدرا شهادتك على أمتك والرسل بالبلاغ (وَمُبَشِّراً) بالجنة (وَنَذِيراً) [٤٥] بالنار.
__________________
(١) وفي النسخ التي راجعتها «هم» ، وهذا خطأ ، لعل الصواب ما أثبتناه وهو «هو» ، وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٥٤ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٧١.
(٢) مبلغ الرجال ، ح : ـ وي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٤٦.
(٣) أخرجه ابن ماجة ، الجنائز ، ٢٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٤٦.
(٤) «وَخاتَمَ» : فتح عاصم التاء ، وكسرها غيره. البدور الزاهرة ، ٢٥٦.
(٥) انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٤. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٦) انظر السمرقندي ، ٣ / ٥٤. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٧) نقل المفسر هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٤٧٣.
(٨) هذا المعنى مأخوذ عن البغوي ، ٤ / ٤٧٣.
(٩) ذكر ابن مسعود نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٧٣.
(١٠) هذه الأقوال مأخوذة عن الكشاف ، ٥ / ٤٧.