فانها أفضل من ترك التسمية وإن وقع العقد جائزا (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ)(١) من الإماء (مِمَّا أَفاءَ) أي رد (اللهُ عَلَيْكَ) من الكفار كصفية ، فانه أطيب من سبي ما كان له عهد فانه سبي خبثة لا سبي طيبة وهو ما سبي من أهل الحرب ، ولذا قال (مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) ، لأن فيء الله لا يطلق إلا على الطيب ، ثم عطف على (أَزْواجَكَ) قوله (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ) أي أحللنا لك (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) من مكة إلى المدينة (٢) منهن ولم تحل من لم تهاجر معك ، وقد نسخ شرط الهجرة بقوله (٣)(وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) أي أحللنا لك امرأة مؤمنة دون المشركة (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) ولا تطلب مهرا منك من النساء المؤمنات (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) أي يطلب نكاحها بغير صداق ، وإنما عدل عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ النبي للإيذان بأن هذا الحكم مما خص به لأجل النبوة ، وتكريره تفخيم له ، قوله (خالِصَةً لَكَ) حال مؤكدة من ضمير (وَهَبَتْ) ، أي حلت لك إذا وهبت نفسها خاصة بلفظ الهبة بلا مهر لك (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي لا تحل لهم فعلى هذا المعنى يكون (خالِصَةً) متعلق بالإحلال الأخير ، وقيل : (خالِصَةً) مصدر مؤكدة بمعنى خلص خلوصا (٤) ، أي خلص لك إحلال ما أحللنا لك من أجناس المنكوحات وزدنا لك الواهبة نفسها فعلي هذا تعلق بالإحلالات الأربع ورد في أثرها لتأكيدها ، قيل : الواهبة نفسها أم شريك بنت جابر (٥) أو ميمونة بنت الحارث (٦) أو خولة بنت حكيم (٧) ، قوله (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها) إن أراد النبي شرطان اعترض أحدهما الآخر فيلزم أن يكون الشرط المؤخر لفظا مقدما معنى ، وكذلك حكم جميع الشروط المعترضة قالوا عقد النكاح بلفظ الهبة سواء فيه الرسول وأمته عند أبي حنيفة ، وقال الشافعي رحمهالله : لا يصح وقد خص رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمعنى الهبة ولفظها جميعا (٨) متمسكا بالآية وينعقد نكاحه بلا شهود ولا مهر ، والأولى وله الزيادة على الأربع (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ) أي على المؤمنين (فِي أَزْواجِهِمْ) من الأحكام بأن لا يتزوجوا بأكثر من أربع (وَ) كذا في (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) من الإماء ، أي أنها مباحة لهم فوق أربع زوجات ، هذه الجملة اعتراض ، وقوله (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) متصل ب (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ، ومعنى هذه الجملة الاعتراضية : أن الله قد علم ما يجب فرضه على المؤمنين في الأزواج والإماء وعلى أي حد وصفه يجب أن يفرض عليهم ففرضه وعلم المصلحة في اختصاص رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما اختصه به ففعل وفعله ليس بعبث ، ومعنى قوله (لِكَيْلا) يكون تعليل للإحلال ، أي أحللنا لك أزواجك المذكورات والواهبة نفسها لك لئلا يضيق نفسك في دينك (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) للواقع للحرج إذا تاب (رَحِيماً) [٥٠] بالتوسعة على عباده.
(تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١))
قوله (تُرْجِي) بالهمزة وتخفيفه (٩)(مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ) نزل حين أراد أن يفارق نساءه لطلبهن زيادة النفقة والقسم بينهن (١٠) ، فأباح الله لرسوله أن يكون الاختيار في يده ، فيفعل بهن ما يشاء من الطلاق وترك القسم وغيرهما فقال ترجئ ، أي تؤخر من تشاء منهن عنك بطلاق وغيره (وَتُؤْوِي) أي وتجمع (إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ)
__________________
(١) أي ، + و.
(٢) معك ، + و.
(٣) نقل المفسر هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٤٧٦.
(٤) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٥٠.
(٥) عن علي بن الحسين والضحاك ومقاتل ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٧٧.
(٦) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٧٧.
(٧) عن عروة بن الزبير ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٧٧.
(٨) جميعا ، و : جميعها ، ح ي.
(٩) «وترجي» : قرأ المكي والبصريان والشامي وشعبة بهمزة مرفوعة بعد الجيم ، وإذا وقفوا أسكنوا الهمزة إلا هشاما ، وغيرهم بياء ساكنة بعد الجيم بدلا من الهمزة. البدور الزاهرة ، ٢٥٧.
(١٠) عن أبي رزين وابن زيد ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٧٧ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٩٧.