(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨))
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) أي إرسالة عامة لهم ، وقيل معناه : «أرسلناك جامعا للناس في الإنذار والإبلاغ» (١) ، فيكون حالا من الكاف والتاء فيها للمبالغة كتاء راوية ، ومن جعله حالا من المجرور بعده فقد أخطأ لاستحالة تقدم المجرور على الجار وهو تابع له (٢) أو المعنى : إلا لتكف الناس عن المعاصي فيكون علة للإرسال ، قوله (بَشِيراً) بالجنة (وَنَذِيراً) بالنار حالان من المفعول (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [٢٨] أي لا يصدقون برسالتك أو لا يؤمنون بالجنة والنار.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩))
(وَيَقُولُونَ) أي الكافرون استهزاء للمؤمنين (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي البعث (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٢٩] في وقوعه.
(قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠))
(قُلْ) على طريق التهديد الله قادر اليوم على عذابكم ولكن (لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) أي يوم البعث أو الموت مكتوب لكم في اللوح المحفوظ فلذا يؤخركم ، وال (مِيعادُ) ظرف الوعد من مكان أو زمان والمراد هنا (٣) الزمان ، والإضافة للتبيين كبعير سانية وهي الناقة التي تسقي البساتين (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ) أي عن الميعاد (ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) [٣٠] أي إن طلبوا التقدم عليه لا يتقدمون وإن طلبوا التأخر عنه لا يتأخرون.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١))
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي بالتورية والإنجيل ، قيل : إن كفار مكة سألوا أهل الكتاب عن النبي عليهالسلام فأخبروهم بأنهم يجدون صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كتبهم فأغضبهم ذلك فكفروا بكتب الله جميعا (٤) ، وقيل : المراد (بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يوم القيامة (٥) ، والمعنى : أنهم جحدوا كون القرآن من الله وكل ما دل عليه من الإعادة للجزاء ، ثم أخبر عن عاقبة أمرهم فقال للنبي عليهالسلام أو للمخاطب (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) أي يرد إليه الجواب حال الخصومة بينهم ، يعني لو ترى في الآخرة توقفهم محبوسين وتراجعهم القول وتلاعنهم لرأيت العجب ، فحذف الجواب تفخيما لشأنه ، ثم بين القول بقوله (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) وهم الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم الرؤساء (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [٣١] أي أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله والقرآن.
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢))
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) إنكارا عليهم (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ) أي أنحن (٦) منعناكم (عَنِ الْهُدى) أي عن الإيمان (بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) الهدى ، أي لم نصدكم عن الإيمان نحن (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) [٣٢] أي مختارين الشرك بصحة نياتكم في اختياره لا لقولنا وجبرنا.
(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣))
__________________
(١) عن الزجاج ، انظر الكشاف ، ٥ / ٦٨.
(٢) ومن جعله حالا من المجرور بعده فقد أخطأ لاستحالة تقدم المجرور على الجار وهو تابع له ، ح : ـ وي ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٦٨.
(٣) هنا ، وي : ههنا ، ح.
(٤) اختصره من الكشاف ، ٥ / ٦٨.
(٥) نقل المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٦٨.
(٦) أنحن ، ح : ـ وي.