ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) في الشفاعة (قالُوا) قال (الْحَقَّ) أي القول الحق وهو الإذن في الشفاعة لمن ارتضى ، وقيل : «إذا انكشف عن قلوب الكفار عند الموت أو يوم القيامة إقامة للحجة عليهم قالت الملائكة لهم : ماذا قال ربكم في الدنيا؟ فيقولون : قال الحق فاعترفوا حين لا ينفع الاعتراف لهم» (١)(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [٢٣] أي ذو العلو والكبرياء ليس لأحد (٢) أن يتكلم من الأنبياء وغيرهم ذلك اليوم إلا باذنه وأن يشفع إلا لمن ارتضى أو هو أعلى وأكبر من أن يكون له شريك.
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤))
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي من المطر والنبات أمر الله نبيه عليهالسلام بأن يقررهم بقوله (مَنْ يَرْزُقُكُمْ) ، ثم أمر بأن يجيبهم بقوله (قُلِ اللهُ) يرزقكم تنبيها لهم على الإقرار بذلك ليعبدوا رازقهم ويعرضوا عن عبادة من لا يقدر على الرزق (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٢٤] أي وإن أحد الفريقين من الموحدين الله الرازق الذي خلق السموات والأرض وما بينهما ومن المشركين به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة لعلى هدى أو في ضلال بين (٣) ، وهذا غاية الإنصاف حيث لم يصرح كونهم على الضلالة يقينا تأدبا ، فان كل من سمعه يقول لمن خوطب بمثل هذا الكلام المنصف قد أنصفك صاحبك ، وهذا النوع أدعى إلى الإيمان ، قوله (أَوْ إِيَّاكُمْ) عطف على اسم (إِنَّا) قبله ، وخبره محذوف لدلالة خبر «إن» عليه وهو (لَعَلى هُدىً) ، وقوله (أَوْ فِي ضَلالٍ) عطف على الخبر ، وحقيقة معناه : إنا راكبون على الهداية يقينا لأنا عارفون رازقنا بالتوحيد وأنتم منغمسون في الضلالة يقينا لجهلكم وإشراككم به غيره.
(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥))
ثم أوضح ذلك المعنى الحقيقي بقوله (قُلْ لا تُسْئَلُونَ) عن ما (أَجْرَمْنا) أي اكتسبنا من الذنوب هي الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن (وَلا نُسْئَلُ) عن ما (تَعْمَلُونَ) [٢٥] من الكفر والكبائر ، بل كل مطالب بعمله ، وقيل : هذا نسخ بآية السيف (٤).
(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦))
(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) يوم القيامة (ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا) أي يقضى بيننا وبينكم (بِالْحَقِّ) أي بالعدل (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) أي الحاكم بالعدل (الْعَلِيمُ) [٢٦] بما يحكم على الخلق ، قيل : فتحه بينهم حكمه أنه يدخل هؤلاء الجنة وأولئك النار (٥).
(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧))
(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) أي أشركتموهم مع الله تعالى في العبادة ، وإنما أمره بأن يقول أروني شركاءكم والحال أن النبي عليهالسلام كان يرى شركاءهم ويعرفهم ، لأنه أراد من طلب (٦) إراءتهم تلك إظهار خطئهم العظيم في إلحاق الشركاء بالله وعبادتهم مع جمادتهم وعجزهم وأن يطالعهم بأعينهم على إحالة القياس ، أعنى قياس الأصنام إليه تعالى والإشراك به ، قوله (كَلَّا) ردع لهم عن مذهبهم بعد إبطال قياسهم ، وقوله (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [٢٧] تنبيه على تفاحش غلطهم في القياس حيث لم يقدروا الله حق قدره ، فكأنه قال أين شركاؤكم بالله من هذه الصفات العظام ، قوله (هُوَ) يرجع إلى الله وحده أو «هو» ضمير الشأن كما في (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٧) ، أي هو العزيز في ملكه لا شريك له فيه الحكيم في أمره لا معقب لحكمه (٨).
__________________
(١) ذكره الحسن وابن زيد ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٠٧.
(٢) لأحد ، ح و : ـ ي.
(٣) بين ، وي : مبين ، ح.
(٤) وهذا الرأي منقول عن القرطبي ، ١٤ / ٢٩٩ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٧٥ ؛ وابن الجزي ، ٤٨ ؛ وابن البارزي ، ٤٥ ـ ٤٦.
(٥) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٦٧.
(٦) طلب ، وي : الطلب ، ح.
(٧) الإخلاص (١١٢) ، ١.
(٨) لحكمه ، وي : في حكمه ، ح.