(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠))
(وَلَقَدْ صَدَّقَ) بالتشديد (عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) بالنصب فهو مفعوله (١) ، أي حقق عليهم إبليس ظنه الذي ظنه فيهم ، وهو كفرهم واتباعهم له بقوله «لأضلنهم ولأغوينهم» ، وبالتخفيف ف (ظَنَّهُ) ظرفه ، أي صار صادقا في ظنه حيث خيل إليه أن بني آدم يتبعونه ، والضمير في (عَلَيْهِمْ) لأهل سبأ (٢) ، وقيل : لكل الناس (٣)(فَاتَّبَعُوهُ) أي اتبعه الناس بتزيينه ووسوسته (إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [٢٠] وقللهم ، لأنهم قليل النسبة إلى الكفار ، والمراد جميع المؤمنين ، لأنهم لم يتبعوه في أصل الدين ، وقيل : هم المطيعون منهم (٤).
(وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١))
(وَما كانَ لَهُ) أي لم يكن للشيطان (عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي تسلط بالقهر سوى الوسوسة والتزيين (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ) أي إلا لنظهر المؤمن (بِالْآخِرَةِ) ونميزه (مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ) أي من الشك فيها وعلل التسليط بالعلم بقوله (إِلَّا لِنَعْلَمَ) ، والمراد ما تعلق به العلم ، أي لنميز من يصدق بالبعث من الشاك من قيام الساعة (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) مما يكون منهم وما كان (حَفِيظٌ) [٢١] أي عالم يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها.
(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢))
(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ) أي قل للمشركين من قومك نادوا الذين (زَعَمْتُمْ) أنهم آلهتكم (مِنْ دُونِ اللهِ) فيشفعون لكم ويكشفون عنكم ما نزل بكم من القحط وهم الأصنام والملائكة الذين سميتموهم باسم الله فتعبدونهم كما تعبدون الله وتستجيبون لهم لدعائكم كما تستجيبون له تعالى ، وحذف مفعولا (زَعَمْتُمْ) الأول ضمير الموصول والثاني آلهة ، أي زعمتموهم آلهة ، قوله (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) جواب لهم ، أي آلهتكم لا يملكون شيئا ما من خير وشر (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ) أي للآلهة (فِيهِما مِنْ شِرْكٍ) أي شركة مع الله تعالى (وَما لَهُ) أي لله تعالى (مِنْهُمْ) أي من آلهتكم (مِنْ ظَهِيرٍ) [٢٢] أي معين يعينه على تدبير خلقه يريد أنهم عجزة عن كل شيء فلا يصح للربوبية كما يصح هو تعالى لها يكونون شركاء له تعالى.
(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣))
(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) أي شفاعة الشافع (عِنْدَهُ) أي عند الله (إِلَّا) كائنة (لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) قرئ معلوما ومجهولا (٥) ، أي أذن الله أن يشفع لغيره أو أذن لغيره أن يشفع له أو يكون معنى (لَهُ) لأجله ، أي إلا لمن وقع الأذن للشفيع لأجله ، فاللام الثانية بمنزلة لعمرو في قولك أذن لزيد لعمرو ، أي لأجله ، قوله (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) بالتشديد مجهولا ومعلوما (٦) والفاعل الله ، أي كشف (عَنْ قُلُوبِهِمْ) يتعلق بمفهوم الكلام قبله وهو الانتظار والتوقف ، لأن (حَتَّى) غاية تدل على أن ثمه توقعا وانتظارا لإذن الشفعاء وخوفا هل يؤذن لهم أو لا يؤذن ولا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان ، أي يتوقفون خائفين زمانا حتى إذا كشف الفزع وأزيل عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن في الشفاعة ، فاذا أذن فيها فرحوا وسأل بعضهم بعضا استبشارا (قالُوا
__________________
(١) «صَدَّقَ عَلَيْهِمْ» : قرأ الكوفيون بتشديد الدال ، والباقون بتخفيفها وضم هاء «عليهم» حمزة ويعقوب. البدور الزاهرة ، ٢٦٠.
(٢) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٦٥.
(٣) نقل المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٦٥.
(٤) هذا الرأي مأخوذ عن البغوي ، ٤ / ٥٠٦.
(٥) «أذن» : قرأ أبو عمرو والأخوان وخلف بضم الهمزة ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٦٠.
(٦) «فزع» : قرأ ابن عامر ويعقوب بفتح الفاء والزاي مشددة ، وغيرهما بضم الفاء وكسر الزاي مشددة أيضا. البدور الزاهرة ، ٢٦٠.