(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨))
(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) أي دافعين الناس عن الإيمان بآيات القرآن ، وقرئ «معجزين» (١)(أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) [٣٨] أي مجتمعين لا ينفكون عنه.
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩))
(قُلْ) يا محمد تأكيدا لبطلان زعمهم أنهم أكرم (٢) على الله لما رزقهم في الدنيا (إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ) أي يوسع (الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ابتلاء منه (وَيَقْدِرُ) أي يضيقه (لَهُ) نظرا عليه لكي يعطيه في الجنة بدله (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي ما تصدقتم في طاعة الله (فَهُوَ) أي فالله (يُخْلِفُهُ) أي يعوضه هنا بالمال وثمه بالثواب أو يعوضه بالقناعة التي هي كنز لا يفنى (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [٣٩] أي أعلاهم هو تعالى ، لأن كل من (٣) رزق غيره من سلطان جنده أو سيد عبده أو رجل عياله فهو من رزق الله أجراه على أيدي هؤلاء.
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠))
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) أي الملائكة ومن عبدهم (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ) يوم القيامة إثباتا للحجة على الكفار وتقريعا لهم (أَهؤُلاءِ) أي الكافرون (إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [٤٠] يا ملائكتي.
(قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١))
(قالُوا سُبْحانَكَ) أي تنزيها لك من الشرك (أَنْتَ وَلِيُّنا) الذي نتولاه ونحبه ونلتجئ إليه (مِنْ دُونِهِمْ) أي دون الكفار ، أي ما كانوا يعبدوننا فانا براء منهم ، إذ لا موالاة بيننا وبينهم وهي ضد المعاداة ، فبينوا باثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ) أي يعنون الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله ، وقيل : صورت الشياطين صور قوم من الجن وقالوا هذه صور الملائكة فاعبدوها (٤) ، وقيل : كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتها (٥)(أَكْثَرُهُمْ) أي الكفار (بِهِمْ) أي بالجن وبقولهم من الكذب (مُؤْمِنُونَ) [٤١] أي مصدقون.
(فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢))
(فَالْيَوْمَ) أي يقول الله تعالى لهم اليوم (لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً) أي شفاعة (وَلا ضَرًّا) أي دفع العذاب عنكم (وَنَقُولُ) يوم القيامة (لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أي للمشركين في الدنيا (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) [٤٢] أنها كائنة.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣))
ثم أخبر عن أفعالهم في الدنيا بالنبي عليهالسلام والقرآن بقوله (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) أي واضحات بالأمر والنهي والحلال والحرام (قالُوا ما هذا) به أشاروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ) عن ما (كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) أي يصرفكم عن عبادة الأصنام ، قوله (وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) إشارة إلى القرآن ، أي ما هو إلا كذب مختلق (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ) أي لأمر النبوة ودين الإسلام (لَمَّا جاءَهُمْ) من الله
__________________
(١) «معاجزين» : قرأ ابن كثير وأبو عمرو بحذف الألف بعد العين وتشديد الجيم ، والباقون باثبات الألف وتخفيف الجيم. البدور الزاهرة ، ٢٦١.
(٢) أكرم ، ح ي : أكرموا ، و.
(٣) من ، ي : ما ، ح و.
(٤) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٧١.
(٥) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٧١.