(إِنْ هذا) أي ما الحق (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [٤٣] فهم بتوا الحكم بهذا القول على أنه سحر بين ، أي ظاهر لكل عاقل إن تأمله سماه سحرا لفرط عنادهم.
(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤))
(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) أي يقرؤونها فيعلمون بذلك صحة الشرك بالله (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) [٤٤] ينذرهم بالعقاب أن لا يشركوا ، والمراد منهم هم العرب الذين بعث النبي إليهم لا من تقدمهم من العرب ، لأن إسمعيل عليهالسلام كان مبعوثا قبله إليهم.
(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥))
(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) تهديد لهم على تكذيبهم بالنبي عليهالسلام ، أي قد كذب الذين تقدموهم من الأمم والقرون الخالية رسلهم كما كذبك هؤلاء (وَما بَلَغُوا) أي أهل مكة (مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) أي بعض ما آتينا أولئك من طول الأعمار وقوة الأجرام وكثرة الأموال (فَكَذَّبُوا رُسُلِي) عنادا ، أي (١) لم يؤمنوا بهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) [٤٥] أي إنكاري عليهم بالتدمير والاستئصال ، ولم ينفعهم استظهارهم بتلك الأحوال التي يتوقعون الاستظهار بها (٢) فما بال هؤلاء بجنب أولئك ، وال (مِعْشارَ) بمعنى العشر كالمرباع بمعنى الربع (٣) ، يعني ما بلغ كفار مكة عشر ما آتينا الأمم المتقدمة قبلهم من أسباب الاستظهار ، قوله (فَكَذَّبُوا رُسُلِي) بعد قوله (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) مع كونه مستغنى عنه به بيان بأنه مسبب عن الأول ، لأن إقدامهم على التكذيب سبب لتكذيب الرسل.
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦))
(قُلْ) لكفار مكة ترحما بهم (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) أي بخصلة واحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) أي لوجه الله خالصا وهو بدل من «واحدة» (مَثْنى) أي اثنين اثنين (وَفُرادى) أي فردا فردا (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) في شأن محمد عليهالسلام وما جاء به حتى يظهر لكم شأنه وتعلموا (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) أي ليس بمحمد الذي أرسل إليكم جنون كما تزعمون ، بل هو عاقل صادق في قوله بل علمتموه أرجح الناس عقلا وأثقبهم ذهنا وأصدقهم قولا وأرزنهم حلما ، فكان مظنة لأن تظنوا به الخير وترجحوا فيه جانب الصدق على الكذب فحينئذ كفاكم بأن يأتيكم (٤) آية على قوله ، فاذا أتى بها تبين أنه نذير مبين ، ويجوز أن يكون ما بصاحبكم كلاما مستأنفا تنبيها من الله على طريقة النظر في أمر الرسول عليهالسلام وأراد بالقيام منهم الاهتمام بالمطلوب لا حقيقة القيام ، وإنما قيده بالاثنين والفرادى لأن الاثنين إذا نظرا فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل بها أتباع هوى هجم بهما الفكر الصحيح على جادة الحق وسننه ، وكذا الواحد إذا تفكر في نفسه بعدل وإنصاف على عادة العقلاء متجردا عن الهوى والتعند يهدي به إلى الحق وأما الجمع فمما يقل فيه الإنصاف غالبا ويكثر فيه الخلاف وتشوش الخاطر وغيرها مما يمنع الفكر الصحيح ، ثم أثبت صدقه بالنفي والاستثناء بعد قوله (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) بقوله (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) [٤٦] وهو عذاب النار.
(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧))
قوله (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) شرط وجزاء ، أي أي شيء سألتكم من أجر على إنذاري وتبليغي الرسالة فهو لكم ، يعني لا أسألكم شيئا ، وهذا من قبيل قولهم ما لي في هذا فهو لك ، أي ليس لي فيه شيء (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) فهو يثيبني ويحفظني وينصرني (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [٤٧] أي شاهد بأني نذير مبين ليس بي جنون أو حفيظ عالم بأني لا أطلب الأجر منكم على الدعوة والنصيحة.
__________________
(١) أي ، وي : ـ ح.
(٢) بها ، ح و : ـ ي.
(٣) الربع ، ح و : المربع ، ي.
(٤) بأن يأتيكم ، ح : ـ وي.