(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨))
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ) أي يرمي ويتكلم بالوحي على الأنبياء أو يرمي بالحق على الباطل فيدمغه ، قوله (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [٤٨] صفة لاسم (إِنَّ) أو بدل من ضمير (يَقْذِفُ) ، أي هو عالم بكل غيب وهو الخفي الذي لا يعلمه ابتداء إلا هو من القول والفعل وغيرهما في السماء والأرض.
(قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩))
(قُلْ جاءَ الْحَقُّ) أي القرآن أو الإسلام النافع (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) [٤٩] أي وهلك الباطل وهو الكفر الضار ، و «ما» فيهما بمعنى لا ، روي : «أنه صلىاللهعليهوسلم دخل مكة وحول الكعبة ثلثمائة وستون صنما ، فجعل يطعنها بعود ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ)(١)» (٢) ، أي هلك ، يقال فلان لا يبدئ ولا يعيد مثلا في الهلاك ، وقيل : معناه إن الباطل قد بطل بمجيء الحق فلا يلتفت إليه (٣) ، لأنه يقال فلان لا يبدئ ولا يعيد إذا لم يلتفت إليه ، وقيل : «لا يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيده» (٤) ، أي لا ينفعهم في الدنيا والآخرة أو الباطل الشيطان (٥) ، لأنه صاحب الباطل ولا يخلق شيئا ولا يبعثه ، وقيل : هو أصنامهم (٦) ، لأنهم عجزة لا تحيي ولا تميت.
(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠))
(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) أي فانما وزر ضلالي علي لا عليكم (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ) إلى الحق من الإسلام والقرآن (فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) أي فهدايتي بفضل ربي ووحيه فلا منة لغيره فهو في معنى فنفعه لنفسي (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) [٥٠] منهم يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله ، ولا يفوته شيء ما من القول والفعل أو قريب بالإجابة ممن دعاه.
(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١))
(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا) أي خافوا وهو وقت البعث وقيام الساعة أو وقت الموت أو يوم بدر (فَلا فَوْتَ) أي لا يفوتون الله ، وجواب (لَوْ) محذوف ، أي لرأيت أمرا عظيما ، وقيل : نزلت الآية في عسكر قصدوا الكعبة ليخربوها فخسف بهم إذا دخلوا البيداء (٧)(وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) [٥١] أي من الموقف إلى النار إذا بعثوا أو من تحت أقدامهم إذا خسف بهم هنا أو المراد يوم بدر وحيث كانوا فهو قريب من الله تعالى ، وعطف (أُخِذُوا) على معنى (فَلا فَوْتَ) ، أي لم يفوتوا وأخذوا أو على (فَزِعُوا) ، أي فزعوا وأخذوا فلا فوت.
(وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢))
(وَ) عند حلول العذاب بهم (قالُوا آمَنَّا بِهِ) أي بالبعث أو بمحمد لتقدم ذكره بقوله (ما بِصاحِبِكُمْ (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ) بالهمز من النأش وهو الحركة ببطء ، أي من أين لهم أن يتحركوا فيما لا حيلة لهم ، وبالواو (٨) ، أي التناول والأخذ بسهولة ، يقال تناقش وتناول إذا مد يده إلى شيء يصل إليه (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [٥٢] أي من الآخرة إلى الدنيا وهو تمثيل لطلبهم ما لا يكون ، وهو أن ينفعهم إيمانهم عند نزول العذاب بهم كما نفع (٩) المؤمنين إيمانهم في الدنيا ، فمثلت حالهم بحال من يريد أن يصل الشيء من غلوة وهي مقدار رمية.
__________________
(١) الإسراء (١٧) ، ٨١.
(٢) عن ابن مسعود ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٧٧ ؛ والكشاف ، ٥ / ٧٣.
(٣) لعل المفسر اختصر هذا المعنى من القرطبي ، ١٤ / ٣١٣.
(٤) ذكر الزجاج نحوه ، انظر الكشاف ، ٥ / ٧٣.
(٥) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٧٣.
(٦) هذا الرأي منقول عن البغوي ، ٤ / ٥١٤.
(٧) نقله المفسر عن الكشاف ، ٥ / ٧٣.
(٨) «التناوش» : قرأ أبو عمرو وشعبة والأخوان وخلف بهمزة مضمومة بعد الألف فيصير المد عندهم متصلا ، فكل يقرأ على أصله ، ولحمزة في الوقف عليه تسهيل بالهمزة مع المد والقصر ، وقرأ الباقون بالواو الخالصة بعد الألف. البدور الزاهرة ، ٢٦٢.
(٩) نفع ، وي : ينفع ، ح.