(وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣))
(وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أي كيف لهم تناول التوبة والحال أنهم قد كفروا في الدنيا بما آمنوا به وقت العذاب ، فالتوبة لا تنفع التائب حين لا متاب ، قوله (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ) عطف على (كَفَرُوا) على حكاية الحال الماضية ، أي وكانوا يتكلمون في الدنيا بالغيب كذبا ويأتون به (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [٥٣] أي من حيث لا يعلمون لعدم تحققهم صدق ما يقولون من أنه شاعر ساحر كاهن ، وهذا تكلم بالغيب بعيد من جهة بعيدة من حاله صلىاللهعليهوسلم ، و «الغيب» بمعنى الغائب ، وقيل : «هو قولهم لا بعث ولا جنة ولا نار» (١).
(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤))
(وَحِيلَ) أي فعل حائل (بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) من نفع الإيمان يومئذ والنجاة به من النار والفوز بالجنة أو الرجوع إلى الدنيا (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ) أي بأشباههم (مِنْ قَبْلُ) أي فعل بمن كان قبلهم من كفرة الأمم ومن مذهبه مذهبهم من الحائل ، يعني منعوا وحجبوا من الإيمان والتوبة عند شدة البأس ، وال «أشياع» جمع شيع وهو جمع شيعة ، وهي فرقة يتقوى الإنسان بهم (إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) [٥٤] من أراب الرجل إذا صار ذا شك ، أي إنهم كانوا في الدنيا في شك ذي شك من قبيل قولهم شعر شاعر للمبالغة ، والمراد : أن تزايد الشك فيهم أوقعهم في العذاب الأليم الأبدي.
__________________
(١) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٤ / ٥١٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٧٨.