مُمْسِكَ لَها) أي لا أحد يقدر على إمساكها وحبسها (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) أي أي شيء يمسك بالله فلا أحد يقدر على إرساله من بعد إمساكه ، وتأنيث الضمير وتذكيره في الموضعين للحمل على اللفظ وعلى المعنى (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي الغالب القادر على الإرسال والإمساك (الْحَكِيمُ) [٢] الذي يرسل ويمسك باقتضاء الحكمة.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣))
(يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي يا أهل مكة (اذْكُرُوا) أي احفظوا (نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بشكرها وهو معرفة حقها وطاعة مولاها حيث أسكنكم حرمه ومنعكم من عدادة جميع العالم ، وقيل : المراد من (النَّاسُ) العموم (١)(هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) بالجر والرفع (٢) نعت ل (خالِقٍ) لفظا أو محلا ، قوله (يَرْزُقُكُمْ) خبر من (خالِقٍ) لأنه مبتدأ ، و (مِنْ) زائدة ، ويجوز أن يكون صفة ل (خالِقٍ) والخبر محذوف ، أي موجود ، ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ بعد قوله (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) ، أي هو يرزقكم (مِنَ السَّماءِ) المطر (وَالْأَرْضِ) النبات والغرض نفي للغير ، أي لا رازق لكم سواه ، ثم استأنف مشيرا إلى توحيده بقوله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في الخلق والرزق (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [٣] أي فكيف تصرفون عن التوحيد إلى الكفر.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤))
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ) أي رسل ذو عدد كثير وأولو آيات ونذر (مِنْ قَبْلِكَ) شرط وجزاء ، وحق الجزاء أن يتعقب الشرط وهو سابق عليه معنى ، قيل : وجه صحته أن الجواب محذوف وهو فتأس بتكذيب الرسل من قبلك فوضع (فَقَدْ كُذِّبَتْ) موضع الجواب استغناء بالسبب عن المسبب (٣)(وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ) أي تصير (الْأُمُورُ) [٤] أي عواقبها بالبعث والجزاء لا إلى غيره تعالى.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥))
ثم خاطب أهل مكة بقوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) أي البعث وما تعلق به (٤)(حَقٌّ) أي ثابت لا شك فيه (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي فلا يخدعنكم الدنيا بزخارفها (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ) أي لا يخدعنكم بذكر مغفرته لكم (الْغَرُورُ) [٥] أي الشيطان بوسوسته ، يعني لا يغوينكم بقوله لكم (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(٥) ، فان الله غفور يغفر لكل (٦) كبيرة وخطيئة.
(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦))
(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) أي عدو قوي في عداوته (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) أي لا تطيعوه وحاربوه في سركم وجهركم (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) أي أتباعه (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) [٦] أي من أهل الشقاوة والهلاك.
(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧))
قوله (الَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ ، خبره (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) أي كفرهم سبب لذلك ، قوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) مبتدأ ، خبره (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [٧] أي إيمانهم سبب لذلك.
__________________
(١) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ٧٦.
(٢) «غير» : قرأ الأخوان وخلف وأبو جعفر بخفض الراء ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ٢٦٢.
(٣) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٧٧.
(٤) تعلق به ، وي : يتعلق به ، ح.
(٥) فصلت (٤١) ٤٠.
(٦) لكل ، ح : كل ، وي.