أُولئِكَ) أي الكفار الماكرين (هُوَ يَبُورُ) [١٠] أي يبطل ويفسد هو خاصة دون مكر الله بهم حين أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر وحقق فيهم قوله (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) وهو (خَيْرُ الْماكِرِينَ)(١).
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١))
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) أي خلق أصلكم منه وهو آدم (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أي أصنافا أو ذكرانا وإناثا (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى) أي لا تحمل (٢) أنثى ، و (مِنْ) فيه زائدة (وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) نصب على الحال ، أي ليس حملها ووضعها إلا ملابسا بعلم الله تعالى بوقته ووصفه (وَما يُعَمَّرُ) أي لا يطول عمر (٣)(مِنْ مُعَمَّرٍ) أي طويل العمر ، والمراد به من أحد وسمي معمرا بما هو صائر إليه (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) بسكون الميم وضمه (٤) ، أي من عمر المعمر المذكور (إِلَّا) هو (فِي كِتابٍ) وهو اللوح بأن كتب فيه أن عمر فلان أربعون سنة إن حج وستون سنة إن حج وتصدق ، فاذا جمع بينهما فبلغ الستين فقد عمر ، وإذا أفرد أحدهما فبلغ الأربعين بلا تجاوز عنه فقد نقص من عمره الذي هو الغاية وهو الستون (إِنَّ ذلِكَ) المكتوب في اللوح حفظه (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) [١١] بغير حسبان وكتابة ، لأنه العالم بالذات لا يتعذر تعلق علمه بمعلوم ما.
(وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢))
(وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ) أي حلو لذيذ (سائِغٌ شَرابُهُ) أي سلس الدخول في الحلق (وَهذا) أي والآخر منهما (مِلْحٌ أُجاجٌ) أي شديد الملوحة ، وقيل : هو مثل للمؤمن والكافر (٥)(وَمِنْ كُلٍّ) أي كل واحد منهما (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) وهو السمك (وَتَسْتَخْرِجُونَ) من الملح خاصة (حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) وهي اللؤلؤ والمرجان ، ولم يقل منه هنا كما في النحل (٦) لأنه معلوم (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ) أي في كل واحد منهما (مَواخِرَ) من المخر وهو الشق ، أي تمخر الماء بجريها ، يعني تشقه (٧) مقبلة ومدبرة بريح واحدة وفعل ذلك (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي لتطلبوا من رزق الله ، فالضمير لله وإن لم يذكر لدلالة المعنى عليه (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [١٢] أي ولتشكروا رب هذه النعم ، استعير «لعل» للإرادة ولذا عطف على (لِتَبْتَغُوا).
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣))
ثم أخبر بأنه (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ) أي ذلل لكم (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) أي إلى أقصى منازلهما في الغروب أو يجريان إلى يوم القيامة (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) ذلِكُمُ) مبتدأ ، والباقي أخبار مترادفة ، أي هذا الذي فعل تلك الأشياء البديعة خالقكم ورازقكم له ملك السموات والأرض ، فاعرفوه ووحدوه فادعوه في حاجاتكم ليستجيب لكم ولا تدعوا غيره (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ) من الأصنام آلهة (مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) [١٣] أي لا يقدرون على أن ينفعوكم مقدار القطمير وهو القشر الرقيق الملتف على النواة.
__________________
(١) الأنفال (٨) ، ٣٠.
(٢) أي لا تحمل ، وي : أي لا تحمله ، ح.
(٣) عمر ، وي : عمره ، ح.
(٤) هذه القراءة منقولة عن السمرقندي ، ٣ / ٨٢.
(٥) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ٨٠.
(٦) انظر سورة النحل (١٦) ، ١٤.
(٧) تشقه ، وي : يشقه ، ح.