(إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤))
(إِنْ تَدْعُوهُمْ) أي الأوثان (لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) لأنهم جماد (وَلَوْ سَمِعُوا) فرضا (مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) لعجزهم فيما تدعون لهم من الألوهية أو ما نفعوكم (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) إياهم مع الله وعبادتكم يقولون ما كنتم إيانا تعبدون (وَلا يُنَبِّئُكَ) أي لا يخبرك يا محمد بحال الأوثان وعبادة المشركين إياها وعاقبتها أو بأمر الدنيا والآخرة مخبر (مِثْلُ خَبِيرٍ) [١٤] أي عالم بذلك على الحقيقة لا كسائر المخبرين به وهو الله تعالى.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥))
ثم خاطب الناس بالعموم تنبيها لهم على ضعفهم بالخلقة فقال (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) بكل حال وعرفه لبيان أنهم هم الفقراء لا غير لشدة افتقارهم إليه وإن كانت المخلوقات كلها مفتقرة إليه تعالى ، ولو نكر لكان المعنى : أنتم بعض الفقراء إلى الله (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ) عن كل خلقه (الْحَمِيدُ) [١٥] أي المحمود في صنعه بغناه ، وقيد (الْغَنِيُّ) به ليعلمهم أنه ينفعهم بغناه إذ ليس كل غني نافعا بغناه.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧))
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) باهلاككم (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [١٦] بدلكم.
(وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) [١٧] أي بمممتنع وهذا أغضب عليهم بشركهم ونسبة الولد إليه.
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨))
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ) من وزره إذا حمله ، أي لا تحمل نفس حاملة (وِزْرَ أُخْرى) أي حمل نفس حاملة أخرى ، يعني لا تؤخذ نفس بذنب غيرها يوم القيامة (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) أي نفس حاملة الأثقال (إِلى حِمْلِها)(١) الذي عليها من الأوزار الثقيلة أحدا ليحمل بعض أوزاره (لا يُحْمَلْ مِنْهُ) أي من حملها (شَيْءٌ) بالطوع (وَلَوْ كانَ) المدعو (ذا قُرْبى) أي ذا قرابة من أب وأم وأخ وولد ، وترك المدعو في الكلام للتعميم بدلالة (وَإِنْ تَدْعُ) لاقتضائه المدعو ، قيل : الفرق بين الجملة الأولى وهي قوله (وَلا تَزِرُ) وبين الثانية وهي (وَإِنْ تَدْعُ) ، إن الأولى للدلالة على عدل الله في حكمه والثانية لبيان أن لا غياث يومئذ لمن استغاث (٢) ، قوله (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) تسلية لنبيه عليهالسلام ، ووجه اتصاله بما قبله أن الله لما غضب عليهم من قوله (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أتبعه الإنذار بذكر القيامة وأهوالها لهم ثم لما لم ينفعهم قال (إِنَّما تُنْذِرُ) ، أي لا تنذر إلا الذين يخافون الله وهم ما رأوه ، وقيل : معنى (بِالْغَيْبِ) في السر (٣)(وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي يتمونها وإنما خص الخاشعين بالإنذار ، لأنه لا ينفع إلا لهم ، وهذه صفة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأن غيرهم أصحاب التمرد والعناد (وَمَنْ تَزَكَّى) أي تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي (فَإِنَّما يَتَزَكَّى) أي (٤) يتطهر (لِنَفْسِهِ) يعني صلاحه نافع له والله غني عن خلقه وعملهم ، قوله (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [١٨] وعد للمتطهرين بالثواب ووعيد لغيرهم بالعقاب.
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١))
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) [١٩] أي الكافر والمؤمن أو الصنم والحق تعالى (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) [٢٠]
__________________
(١) أي ، + ح.
(٢) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٥ / ٨١.
(٣) هذا المعنى منقول عن الكشاف ، ٥ / ٨١.
(٤) أي ، وي : يعني ، ح.