اللهِ كَذِباً) [١٥] بنسبة الشريك إليه تعالى ، فأخذهم وسلمهم إلى آبائهم ليحفظوهم حبسا إلى أن يطلبهم ، ثم هربوا منهم إلى الكهف ومروا بكلب في الطريق ، وقيل : مروا براع له كلب فتبعهم على دينهم فطردوا الكلب فأنطقه الله ، فقال أنا أحب من يحب الله وأنا أحرسكم (١) ، فتركوه ومشوا قائلين في طريقهم (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) يعني قال بعض الفتية لبعض إذ تركتموهم (٢) ، أي الكافرين (وَما يَعْبُدُونَ) أي ومعبوديهم (إِلَّا اللهَ) استثناء متصل ، لأنه داخل فيما بعبدون ، روي : أنهم كانوا يقرون بالله ويشركون به (٣) ، قوله (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) مقول للفتية ، أي التجؤا بالفرار بدينكم إلى الكهف ، والفاء في جواب «إذ» ، وجواب الأمر (يَنْشُرْ لَكُمْ) أي يفض عليكم (رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) ويعدكم من أعدائكم (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) [١٦] بكسر الميم وفتح الفاء ، وبالعكس (٤) ما يرتفق به ، أي ينتفع ، المعنى : يجعل لكم سهولة بدل الصعوبة ، قالوا ذلك ثقة بفضل الله وتوكلا عليه ، قيل : كان بعضهم نبيا بقوله لهم (٥) ، ثم ذهب آباؤهم إلى الملك وأخبروه أنهم هربوا من عندهم فتبعهم الملك والناس معه حتى انتهوا إلى باب الكهف ، فوجدوا آثارهم داخلين فيه فدخلوا الكهف فلم يجدوا شيئا لما أعمى الله تعالى عليهم ، فقال الملك : سدوا عليهم باب الكهف ليموتوا من الجوع ، فيكون قبورهم ثم انصرف الملك والناس معه إلى المدينة ، فكتب رجلان مسلمان يكتمان إيمانهما أسماءهم وأسماء آبائهم واسم مدينتهم وفرارهم من دقيانوس الملك الكافر في لوح من رصاص ، فألزقاه من داخل الكهف فمن ظهر عليهم يعلم به أنهم مسلمون.
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧))
(وَتَرَى الشَّمْسَ) يا محمد أو يا إنسان (إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ) بالرفع مع التشديد ، أصله تتزاور أي تعدل وتميل ، وقرئ «تزور» من ازور و «تزاور» بالتخفيف (٦) ، والمعنى في كله واحد وهو الميل (عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ) أي جهة يمين الكهف وهو ظرف ل «تزاور» (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ) أي تقعهم مجاورة لهم (ذاتَ الشِّمالِ) يعني تتركهم وتعدل عنهم جهة شمال الكهف ، قيل : كان كهفهم بازاء بنات نعش ، ولذلك لا تقع عليهم الشمس (٧) ، وقيل : إن هذا القول خطأ ، لأن الله تعالى صرف عنهم الشمس بقدرته وحال بينها وبينهم إكراما لهم (٨) ، فعلى هذا يكون كهفهم نحو المشرق (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ) أي في متسع (مِنْهُ) أي من الكهف يصل إليهم النسيم ويرتفع عنهم وخامة الغار ولا تصل إليهم الشمس عن طلوع وغروب (ذلِكَ) أي ما ذكر من حال كهفهم من أن الشمس تصيبه ولا تصيبهم كرامة من الله لهم أو شأنهم وحديثهم (مِنْ آياتِ اللهِ) الدالة على قدرته تعالى (٩) ، ثم مدحهم فقال (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) بحذف الياء وإثباتها وصلا (١٠) بأنهم قد جاهدوا في الله وأسلموا له فأرشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية ، أي من يهده الله ويسلك طريقهم فهو الذي أصاب الفلاح واهتدى وأخلص في إيمانه ، ثم ذم من خالفهم فقال (وَمَنْ يُضْلِلْ) أي يضلله تعالى بخذلانه (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) [١٧] أي من يليه ويرشده إلى فلاحه بعد خذلان الله إياه.
__________________
(١) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٢٩١.
(٢) لو تركتموهم ، ي : إذ تركتموهم ، ح : إذ اعتزلتموهم ، و؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٩٣.
(٣) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٥٥٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٢٠٠.
(٤) «مرفقا» : قرأ المدنيان والشامي بفتح الميم وكسر الفاء ، والباقون بكسر الميم وفتح الفاء. البدور الزاهرة ، ١٩٠.
(٥) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.
(٦) «تزاور» : قرأ الشامي ويعقوب باسكان الزاي وتشديد الراء من غير ألف مثل تحمر ، وعاصم والأخوان وخلف بفتح الزاي مخففة وألف بعدها وتخفيف الراء ، والباقون كذلك إلا أنهم شددوا الزاي. البدور الزاهرة ، ١٩١.
(٧) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٥٥٤ ، ٥٥٥.
(٨) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٥٥٥.
(٩) تعالى ، و : ـ ح ي.
(١٠) «المهتد» : قرأ المدنيان وأبو عمرو باثبات الياء وصلا ، ويعقوب في الحالين ، والباقون بحذفها كذلك. البدور الزاهرة ، ١٨٨.