(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨))
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً) أي منتبهين (وَهُمْ رُقُودٌ) جمع راقد ، أي نيام ، لأن أعينهم كانت مفتحة لئلا تذوب (١) ، فيحسبهم الناظر لذلك أيقاظا ، وهي جمع يقظ ، أي متيقظ (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) ويتنفسون مع ذلك ولا يتكلمون ، قيل : «لهم تقلبان في السنة» (٢) أو تقلب واحد في يوم عاشوراء (٣)(وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ) حكاية حال ماضية ، لأن اسم الفاعل لا يعمل ماضيا ، وإذا أضيف كانت إضافته حقيقية معرفة نحو غلام زيد إلا إذا نويت حكاية الحال الماضية ، ومعناه ماد يديه (بِالْوَصِيدِ) وهو الباب أو الفناء أو العتبة وهو مثلهم في النوم واليقظة التقلب (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) أي لو نظرت إليهم يا محمد (لَوَلَّيْتَ) أي لرجعت خوفا (مِنْهُمْ فِراراً) مصدر بمعنى الفاعل ، أي هاربا (وَلَمُلِئْتَ) مثقلا ومخففا (٤) ، أي لامتلأت (مِنْهُمْ رُعْباً) [١٨] وهو الخوف الذي يملأ الصدر ، قيل : ذلك لوحشة مكانهم (٥) ، وقيل : لما ألبسهم الله من الهيبة لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيوقظهم الله بقدرته من رقدتهم (٦) ، وقيل : دخل قوم في زمان معاوية لينظروا إليهم فبعث الله تعالى ريحا فأحرقتهم (٧).
(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩))
(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أي كما أنمناهم تلك النومة بقدرتنا مثل ذلك أيقظناهم (٨) من نومهم جياعا (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) عن حالهم ، أي ليسأل بعضهم بعضا ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيعتبروا ويزدادوا يقينا ويشكروا على ما كرموا به ، واللام لام العاقبة ، لأنهم لم يبعثوا للسؤال (٩)(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) وهو رئيسهم مكسلمينا (كَمْ لَبِثْتُمْ) أي نومكم هذا (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً) لأنهم (١٠) دخلوا الغار عند طلوع الشمس وتساءلون عند غروبها ، فلما رأوا بقية منها قالوا (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ظنا منهم أنه اليوم المدخول فيه ، فلما لم يتيقنوا مدة لبثهم (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) وهو إنكار من بعضهم عليهم لما نظروا إلى طول أظفارهم وأشعارهم فاستيقنوا أنهم لبثوا أكثر من يوم ، وقالوا (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ) بفتح الواو وكسر الراء ، وبسكون الراء أيضا (١١) ، كأن بعضهم قال : ربكم أعلم بذلك لا طريق لكم إلى علمه ، فاتركوه واشتغلوا بما يهمكم فابعثوا ، أي أرسلوا واحدا منكم بفضتكم (هذِهِ) المعدة للنفقة ، والورق بسكون الراء مع الفتح والضم والكسر على الواو مع فتح الواو وكسر الراء الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة (إِلَى الْمَدِينَةِ) وهي التي خرجوا منها ، واسمها أفسوس والآن طرسوس (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها)(١٢)(أَزْكى) مبتدأ وخبر ، أي أي أهلها (١٣) أحل (طَعاماً) لأنه كان فيهم من يذبح لغير الله (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ) أي بشيء (مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ) أي ليتكلف اللطف في أمر المبالغة حتى لا يغبن أو في أمر التخفى في ذهابه وإيابه حتى لا يعرف (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) [١٩] أي لا يفعلن شيئا يؤدي إلى الشعور بنا.
__________________
(١) تذوب ، ح ي : يذوب ، و.
(٢) عن أبي هريرة ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٥٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٢٠٠.
(٣) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٥٥٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٢٠٠.
(٤) «ولملئت» : شدد اللام المدنيان والمكي وخففها غيرهم وأبدل همزه في الحالين السوسي وأبو جعفر وفي الوقف حمزة. البدور الزاهرة ، ١٩١.
(٥) نقله عن الكشاف ، ٣ / ٢٠١.
(٦) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٧) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٢٩٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٥٦.
(٨) أيقظناهم ، ح ي : ـ و.
(٩) للسؤال ، وي : للسول ، ح.
(١٠) قد ، + ي.
(١١) «بورقكم» : أسكن الراء البصري وشعبة وحمزة وخلف وروح ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ١٩١.
(١٢) أي أي أهلها ، + ح.
(١٣) أي أي أهلها ، وي : ـ ح.