للعروس ، وخص الاتكاء ، لأنه هيئة المتنعمين والملوك على أسرتهم (نِعْمَ الثَّوابُ) ذلك وهو المخصوص بالمدح (وَحَسُنَتْ) الجنة (مُرْتَفَقاً) [٣١] أي متكأ ومنزلا للاستراحة فيه.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣))
قوله (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) أمر للنبي صلىاللهعليهوسلم بضرب مثل لهم ليعتبروا فيؤمنوا ، وتقديره : اضرب لهم مثلا مثل (رَجُلَيْنِ) أي مثل حال الكافرين من أهل مكة والمؤمنين بحال رجلين ، وكانا أخوين من بني إسرائيل ، أحدهما كافر اسمه قطروس ، والآخر مسلم اسمه يهوذا ، ورثا من أبيهما مالا عظيما ، قيل : هو ثمانية آلاف دينار (١) ، فاقتسماه فصرف المؤمن ماله في أبواب البر ، وصرف الكافر ماله في أسباب (٢) المكاسب كالبساتين والمزارع ، ثم وصف حالهما بقوله (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ) أي بستانين (٣) من كروم (وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) أي أحطناهما بأشجار مثمرة ، فصار النخل محيطا بالجنتين (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) [٣٢] يقتات به ، أي جمعت أرضهما أنواع الفواكه والأقوات ، وجعلت متواصلة متشابكة مستحسنة الشكل واللون ، وافية الأثمان ، تامة الأكل من غير نقص ، مسقية بأفضل ما يسقى به وهو النهر الجاري ، وأشار إلى ذلك بقوله (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) أي أثمارها ، وإفراد (آتَتْ) حمل على لفظ (كِلْتَا) ، ولو قيل «آتتا» لجاز حملا على المعنى (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ) أي لم تنقص من حملها (شَيْئاً) بل آتت به في غاية الكمال (وَفَجَّرْنا) أي أجرينا (خِلالَهُما) أي وسطهما (نَهَراً) [٣٣] يجري بينهما ، وجاز بسكون الهاء لغة.
(وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤))
(وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) أي حصل لصاحب البستان ثمر بفتحتين جمع ثمرة وهو المجني من الفاكهة ، وقرئ «ثمر» بالسكون ، و «ثمر» بضمتين جمع ثمار وهو جمع ثمرة (٤) ، وذكر الثمرة بعد ذكر الجنتين وإن كانت الجنة لا تخلو عنها إيذان بكثرة الحاصل له في الجنتين من الثمار وغيرها (فَقالَ) الكافر صاحب الجنتين (لِصاحِبِهِ) المؤمن (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) أي يكلمه ويراجعه الكلام ، من حار يحور إذا رجع ، قيل : إنه أخذ يد أخيه المؤمن يطوف به الجنتين ليريه ما فيهما مفاخرا ومعجبا بما فيهما من المال له دون أخيه قائلا (٥)(أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) [٣٤] أي أنصارا وحشما.
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦))
(وَدَخَلَ) الكافر (جَنَّتَهُ) أفردها إرادة للروضة (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بالكفر والإعجاب بما له (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ) أي تنعدم (هذِهِ) مشيرا إلى جنته المثمرة (أَبَداً [٣٥] وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ) أي القيامة (قائِمَةً) أي كائنة (وَلَئِنْ رُدِدْتُ) أي والله لئن رجعت (إِلى رَبِّي) أي إلى الآخرة بزعمك (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها) أي من جنتي في الدنيا عنده ، وقرئ «منها» مفردا (٦) ، أي من جنتي (مُنْقَلَباً) [٣٦] تمييز ، أي مرجعا في الآخرة ، قال ذلك استهزاء ، وقيل : ادعاء لكرامته على الله (٧) ، يدل عليه إقسامه بقوله (وَلَئِنْ رُدِدْتُ)
__________________
(١) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٦٦.
(٢) أسباب ، وي : أبواب ، ح.
(٣) بستانين ، ح ي : بساتين ، و.
(٤) «ثمر» : قرأ عاصم وأبو جعفر ويعقوب بفتح الثاء والميم وأبو عمر بضم الثاء وإسكان الميم ، والباقون بضم الثاء والميم. البدور الزاهرة ، ١٩٢.
(٥) نقله عن الكشاف ، ٣ / ٢٠٧.
(٦) «منها» : قرأ المدنيان والمكي والشامي بزيادة ميم بعد الهاء مع ضم الهاء على التثنية ، والباقون بحذف الميم وفتح الهاء على الإفراد. البدور الزاهرة ، ١٩٢.
(٧) وهذا مأخوذ عن الكشاف ، ٣ / ٢٠٧.