(قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧))
(قالَ لَهُ) أي للكافر (صاحِبُهُ) المسلم (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) أي يراجعه الكلام باستفهام التقرير (أَكَفَرْتَ) أي صرت كافرا (بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) أي من آدم وهو من تراب (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي من مني (ثُمَّ سَوَّاكَ) أي عدلك وكملك (رَجُلاً) [٣٧] أي إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال ، فجعله كافرا بالله جاحدا لنعمه لشكه بالبعث (١).
(لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨))
قوله (لكن) باثبات الألف وحذفها (٢) ، استدراك لمضمون قول الكافر ، أي أنت كافر بالله لكني مؤمن موحد لا أقول كما تقول أنت ، بل أقول (هُوَ اللهُ رَبِّي) أي خالقي ورازقي (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) [٣٨] قوله (لكِنَّا) أصله «لكن أنا» ، حذفت الهمزة بعد نقل الحركة إلى النون الأولى ، وأدغمت في الثانية وهو ضمير الشأن ، أي الشأن الله ربي ، والجملة خبر «أنا» والراجع إليه منها ياء الضمير في «ربي».
(وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩))
(وَلَوْ لا) أي هلا (إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) أي الأمر (ما شاءَ اللهُ) بمعنى الأمر الذي شاءه (٣) الله كان ، يعني هلا قلته عند دخولك جنتك إذ أعجبك (٤) حسن جنتك لتشكره على أنعامه ، لأنه إقرار بأن كل خير فيها انما حصل بمشية الله ، والأمر كله بيده إن شاء تركها عامرة وإن شاء خربها (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) أي بعونه لا بقوتي اعترافا بأن ما قويت به على عمارتها ، انما هو بمعونته لا بنفسك ، وبذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من أعطي خيرا فيقول عنده ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم ير فيه مكورها» (٥) ، قوله (إِنْ تَرَنِ) شرط مجزوم ب (إِنْ) ، أي إن رأيتني (أَنَا أَقَلَّ أَنَا) ضمير فصل يقع بين المبتدأ والخبر المعرفتين أو إذا كان الخبر مشابها بالمعرفة كأفعل التفضيل ليفصل بين كونه نعتا وخبرا ، و (أَقَلَّ) مفعول ثان ل «ترى» ، والمفعول الأول ياء المتكلم فيه ، يعني إن ترني أقل (مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) [٣٩] في الدنيا فتكبرت وتعظمت عليه.
(فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠))
(فَعَسى) أي لعل (رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) هذه في الآخرة (وَيُرْسِلَ عَلَيْها) أي على جنتك في الدنيا (حُسْباناً) جمع حسبانة وهي الصاعقة أو مصدر بمعنى (٦) الحساب وهو الحكم بتخريبها (مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ) أي فتصير (صَعِيداً زَلَقاً) [٤٠] أي أرضا ملساء يزلق عليها قدم.
(أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١))
(أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) أي غائرا ذاهبا في الأرض (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) [٤١] أي حيلة تدركه بها ، المعنى : أني أرجو أن يرزقني الله جنة أفضل من جنتك ويهلك جنتك.
(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢))
(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) أي أهلكت ثمرته (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) ندما وتحسرا كما هو عادة النادمين (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) أي في عمارتها (وَهِيَ خاوِيَةٌ) أي خالية ساقطة (عَلى عُرُوشِها) أي على دعائمها (٧) ، ثم سقط الكروم عليها ، قيل : «أرسل الله نارا عليها فأحرقتها» (٨)(وَيَقُولُ) الكافر (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) [٤٢] فتذكر
__________________
(١) بالبعث ، ح ي : في البعث ، و.
(٢) «لكن» : قرأ الشامي وأبو جعفر ورويس باثبات الألف بعد النون وصلا ، والباقون بحذفها ، وأجمعوا على إثباتها وقفا اتباعا للرسم. البدور الزاهرة ، ١٩٢.
(٣) شاءه ، ح ي : شاء ، و.
(٤) إذ أعجبك ، وي : إذا أعجبك ، ح.
(٥) انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٠٠. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٦) بمعنى ، ح ي : لمعنى ، و.
(٧) على دعائمها ، ح : دعائمها ، وي.
(٨) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٣ / ٢٠٨.