موعظة أخيه فعلم أنه أتى من جهة شركة بربه فتمنى لو لم يكن مشركا حتى لا يهلك الله جنته.
(وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣))
(وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) بالتاء والياء (١) ، أي جماعة (يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي من عذابه ، وقيل : معناه لا يقدر أحد غير الله أن ينصره وهو القادر على نصرته ، لكنه لا ينصره لاستحقاقه الخذلان بكفره (٢)(وَما كانَ مُنْتَصِراً) [٤٣] أي ممتنعا بنفسه منه.
(هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤))
(هُنالِكَ) ظرف لما قبله ، أي عند مجيئ العذاب أو في القيامة ، قوله (الْوَلايَةُ) بالفتح النصرة والتولي ، وبالكسر الملك والسلطان أو بالفتح في الدين ، وبالكسر في الأمور (٣) ، وهي مبتدأ ، خبره (لِلَّهِ) أي الولاية لله وحده لا يملكها غيره ، ويجوز أن يكون (هُنالِكَ) من هذه الجملة ، فيكون خبر (الْوَلايَةُ) و (لِلَّهِ) صلتها ، والمعنى في ذلك المقام : النصرة لله وحده لا يستطيعها أحد سواه ، وهو تقرير لقوله (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) ، قوله (الْحَقِّ) بالرفع صفة (الْوَلايَةُ) ، والجر صفة (لِلَّهِ)(٤)(هُوَ خَيْرٌ) أي الله أفضل (ثَواباً) لمن آمن به (وَخَيْرٌ عُقْباً) [٤٤] أي أفضل عاقبة له من جنة الكافر في الدنيا ، وال «عقب» بضم القاف وسكونها (٥) والعقبى كلها بمعنى العاقبة ، والمنصوبان تمييزان ، والمعنى : ثواب الله وعاقبته خير للمؤمنين من الدنيا وما فيها.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥))
(وَاضْرِبْ لَهُمْ) أي بين للناس وصف لهم (مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) الفانية هو (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ) أي التف وتكاثف بسبب الماء (نَباتُ الْأَرْضِ) حتى خالط بعضه بعضا (فَأَصْبَحَ) أي فصار (٦) النبات (هَشِيماً) أي متفرق الأجزاء ليبسه (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) أي تثيره فتذهب (٧) به ، شبه حال الدنيا في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الفناء والهلاك بحال نبات حسن فيبس فتكسر ففرقته الريح فانعدم (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الإنشاء والإفناء (مُقْتَدِراً) [٤٥] أي قادرا.
(الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦))
قوله (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) يتجمل بهما هنا ، فيه تزهيد للمؤمنين فيها وتوبيخ للمفتخرين بها ، يعني الزينة التي يفتخر (٨) بها الأغنياء ليست من زاد (٩) الآخرة (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) أي الأعمال الصالحات التي يبقى ثمرتها للإنسان ، وقيل : «الصلوات الخمس» (١٠) ، وقيل : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» (١١)(خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ) أي أفضل (ثَواباً) من هذه الزينة (وَخَيْرٌ أَمَلاً) [٤٦] أي أفضل ما يأمله الإنسان ويرجوه عند الله تعالى أو أفضل مما يرجو الكافر من الثواب وهو النار ، روي أنه صلىاللهعليهوسلم خرج على قومه وقال : «خذوا جنتكم ، قالوا : يا رسول الله أمن عدوه حضر؟ قال : لا بل من النار ، قالوا : وما جنتنا من النار؟ قال : سبحان الله إلى آخر الكلمات» (١٢) ، وهن الباقيات الصالحات ، وقال أيضا : «لأن أقول سبحان الله إلى آخره أحب إلي
__________________
(١) «ولم تكن» : قرأ الأخوان وخلف بياء التذكير ، والباقون بتاء التأنيث. البدور الزاهرة ، ١٩٢.
(٢) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٣ / ٢٠٩.
(٣) «الولاية» : كسر الواو الأخوان وخلف وفتحها غيرهم. البدور الزاهرة ، ١٩٢.
(٤) «الحق» : قرأ أبو عمرو والكسائي برفع القاف ، والباقون بخفضها. البدور الزاهرة ، ١٩٢.
(٥) «عقبا» : أسكن القاف عاصم وخلف وحمزة ، وضمها غيرهم. البدور الزاهرة ، ١٩٢.
(٦) فصار ، ح ي : صار ، و.
(٧) فتذهب ، ح ي : فيذهب ، و.
(٨) يفتخر ، ح و : يفخر ، ي.
(٩) من زاد ، و : بزاد ، ح ي ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٧١.
(١٠) عن مسروق ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٠١.
(١١) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٠١.
(١٢) انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٠١. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.