مما طلعت عليه الشمس» (١).
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧))
(وَ) اذكر (يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) بالتاء مجهولا وبالنون معلوما (٢) ، أي اذكر يوم نزيلها عن أماكنها ونذهب بها بأن نجعلها هياء منبثا (وَتَرَى الْأَرْضَ) يا إنسان (بارِزَةً) أي طاهرة ليس عليها ما يسترها مما كان عليها (وَحَشَرْناهُمْ) أي جمعنا أهل الإيمان والكفر إلى الموقف (فَلَمْ نُغادِرْ) أي لم نترك (مِنْهُمْ أَحَداً) [٤٧] تحت الأرض.
(وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨))
(وَعُرِضُوا) أي الخلائق يوم القيامة (عَلى رَبِّكَ) أي على حكمه (صَفًّا) أي مصطفين يرى كل واحد منهم لا يحجب أحد أحدا كما يعرض الجند على السلطان هنا ، فيقال لهم ثمه (لَقَدْ جِئْتُمُونا) فرادى ، أي عراة لا شيء معكم (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وجاء ب (حَشَرْناهُمْ) بعد (نُسَيِّرُ) و (تَرَى) إيذانا بأن الحشر يكون قبل تسيير الجبال وبروز الأرض ليعاينوا تلك الأهوال العظام ، قوله (بَلْ) إضراب عن صدق الوعد الذي دل عليه (لَقَدْ جِئْتُمُونا) أي ما ظننتم أن نصدق (٣) الوعد بالبعث بل (زَعَمْتُمْ) يا كفار مكة (أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) [٤٨] أي وقتا لإنجاز ما وعدتم من البعث على ألسنة الرسل ، قالت عائشة رضي الله عنها : «قلت يا رسول الله! كيف يحشر الله الناس يوم القيامة؟ قال : عراة حفاة ، قالت : قلت والنساء؟ قال : والنساء ، قالت : قلت يا رسول الله! أنستحيي؟ قال : يا عائشة! الأمر أشد من ذلك لن يهمهم أن ينظر بعضهم إلى بعض» (٤).
(وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩))
(وَوُضِعَ الْكِتابُ) أي أعطي كتاب كل امرئ بيمينه أو بشماله (٥) ، وهو الكتاب الذي كتبنا فيه أعمالهم وأحوالهم قبل وجودهم وبعده للحساب (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) أي خائفين مما في الكتاب عند مشاهدتهم ما فيه من قبائح أعمالهم (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا) أي ينادون يا هلكتنا التي هلكتنا بها دون غيرها من الهلكات (ما لِهذَا الْكِتابِ) أي ما باله (لا يُغادِرُ) أي لا يترك (صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) من الزلل تصدران عن جانبيهما (٦)(إِلَّا أَحْصاها) أي عدها وأثبتها فيه ، قيل : «الصغيرة كالتبسم والكبيرة كالقهقهة» (٧) ، وقيل : «الصغيرة كالمسيس والكبيرة الزنا» (٨)(وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا) من خير وشر (حاضِراً) أي مثبتا في كتابهم (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [٤٩] أي لا يكتب عليه ما لم يعمله أو لا ينقص من ثواب عمله ولا يزيد في عقابه.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠))
(وَ) اذكر (إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) الذي ألحق بهم وجعل يتعبد معهم (كانَ مِنَ الْجِنِّ) أي لا من الملك حقيقة ، لأن له زرية ولا ذرية للملك ، قيل : إنه كلام مستأنف كالتعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين ، كأنه قيل : ما باله لم يسجد؟ فقيل : كان من الجن خلق من نار السموم ولم يكن من
__________________
(١) انظر البغوي ، ٣ / ٥٧١. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٢) «نسير» : قرأ المكي والبصري والشامي بتاء مثناة مضمومة مع فتح الياء المشددة ورفع لام «الجبال» ، والباقون بالنون المضمومة مع كسر الياء المشددة ونصب لام «الجبال». البدور الزاهرة ، ١٩٢ ـ ١٩٣.
(٣) نصدق ، وي : يصدق ، ح.
(٤) روى مسلم نحوه ، الجنة ، ٥٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٧٣.
(٥) بشماله ، و : شماله ، ح ي ؛ وانظر أييضا السمرقندي ، ٢ / ٣٠٢.
(٦) جانبيهما ، و : جانيهما ، ح ي.
(٧) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٧٤.
(٨) عن سعيد بن جبير ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٧٤.