الملائكة (١)(فَفَسَقَ) أي خرج (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) والفاء للسببية ، أي كونه من الجن سبب فسقه ، ولو كان ملكا لم يفسق عن أمر ربه ، أي عن طاعته ، لأن الملك معصوم دون الجن والإنس (أَفَتَتَّخِذُونَهُ) أي أتتخذون إبليس يا بني آدم (وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) والهمزة فيه للإنكار ، أي أعقيب فسقه عن أمري تستبدلونه وذريته وتطيعونهم دوني (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) أي أعداء ، والواو للحال (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [٥٠] تمييز ، أي بئس البدل إبليس وذريته لمن ظلم واستبدلهما وأطاعهما بدل طاعة الله ، قيل : «يتوالدون كما يتوالد ابن آدم» (٢) ، وقيل : إنه يدخل ذنبه في دبره فيبيض بيضة فتنفلق البيضة عن جماعة من الشيطان (٣).
(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١))
قوله (ما أَشْهَدْتُهُمْ) إشارة إلى غناه تعالى عن خلقه ونفي مشاركتهم في الألوهية ، أي ما أحضرت شركائي بزعمكم (خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأعتضد بهم في خلقهما (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض (٤) عندي لعدمهم وعدم حاجتي إليهم (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ) عن الدين أي متخذهم (عَضُداً) [٥١] أي أعوانا أعتضد بهم ، وضع «المضلين» موضع ذما لهم بالإضلال فاذا لم يكونوا أعوانا لي في الخلق فما لكم تتخذونهم شركائي في العبادة ، وهم ليسوا بشركائي (٥) في الألوهية.
(وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢))
(وَيَوْمَ يَقُولُ) بالنون والياء (٦) ، أي اذكر يوم يقول الله للكفار ، يعني يوم القيامة (نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أنهم شركائي ، أي ادعوهم ليشفعوا لكم لأنكم أشركتموهم معي في الطاعة لزعمكم أنهم يشفعون لكم (فَدَعَوْهُمْ) أي آلهتهم (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي لم يجيبوهم ولم يشفعوا لهم (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) [٥٢] أي مهلكا ، من وبق يبق إذا هلك ، يعني جعلنا بينهم واديا من أودية جهنم ، هو مكان الهلاك والعذاب الشديد مشتركا يهلكون فيه جميعا ، وهم الأصنام وعابدوهم ، وقيل : «معنى (مَوْبِقاً) عداوة» (٧) ، وقيل : جزاء بينهم فلا يشفع لهم المعبودون إذا كانوا عزيرا وعيسى والملائكة ، لأن هؤلاء في الجنة وهم في النار (٨).
(وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣))
(وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ) أي المشركون (النَّارَ) حين أمروا بالسوق إليها (فَظَنُّوا) أي أيقنوا (أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) أي واقعون فيها (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) [٥٣] أي معدلا وانصرافا ، لأنها أحاطت بهم من كل جانب.
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤))
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا) أي بينا (فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي من جنس كل مثل مثلنا لهم ليتذكروا به (وَكانَ الْإِنْسانُ) وهو النضر بن الحارث أو جميع الناس (أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) [٥٤] في أمر البعث ، تمييز ، أي خصومة بالباطل ، يعني جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء.
(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥))
(وَما مَنَعَ) أي لم يمنع (النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) محله نصب ب (مَنَعَ) ، أي الإيمان بالله وبرسوله (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) أي طريق الفلاح ، يعني الإسلام أو القرآن (وَ) إن (يَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) أي ولا الاستغفار (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ) محله رفع (٩)
__________________
(١) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ٢١٠.
(٢) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٧٥.
(٣) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٥٧٥.
(٤) بعض ، ح ي : بعضهم ، و.
(٥) بشركائي ، ح و : شركائي ، ي.
(٦) «يقول» : قرأ حمزة بالنون ، والباقون بالياء التحتية. البدور الزاهرة ، ١٩٣.
(٧) عن الحسن ، انظر الكشاف ، ٣ / ٢١١.
(٨) اختصره المفسر من الكشاف ، ٣ / ٢١١.
(٩) رفع ، ح و : الرفع ، ي.