فاعل (مَنَعَ) بتقدير المضاف ، أي إلا انتظار (١) أن تأتيهم (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) وهي الهلاك فيرونها عيانا ، قيل : هذا فيمن قتل من المشركين ببدر وأحد (٢)(أَوْ) انتظار أن (يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ) أي عذاب الآخرة (قُبُلاً) [٥٥] أي أصنافا بضمتين ، جمع قبيل ، وبفتحتين مستقبلا ومقابلا ، وبكسر القاف وفتح الباء (٣) فجأة أو مقابلة.
(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦))
(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) للمؤمنين بالجنة (وَمُنْذِرِينَ) للكافرين بالنار (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الرسل (بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا) أي ليبطلوا (بِهِ الْحَقَّ) الذي معهم ، والدحض الزلق ، من إدحاض القدم ، وهو إزلاقها عن موطئها (وَاتَّخَذُوا آياتِي) أي القرآن (وَما أُنْذِرُوا) أي الذي خوفوا به من العذاب أو إنذاري (هُزُواً) [٥٦] أي سخرية ، يعني موضع استهزاء ، وجدالهم : قولهم للرسل إن أنتم إلا بشر مثلنا ولو شاء الله لأنزل ملائكة وغير ذلك.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧))
(وَمَنْ أَظْلَمُ) استفهام على سبيل التوبيخ ، أي من أشد ظلما (مِمَّنْ ذُكِّرَ) أي وعظ (بِآياتِ رَبِّهِ) أي بالقرآن ، ولهذا ذكر الضمير في (أَنْ يَفْقَهُوهُ) بعد (فَأَعْرَضَ عَنْها) أي عن الآيات ولم يتذكر حين ذكر بها ولم يعمل بها (وَنَسِيَ) عاقبة (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من الكفر والمعاصي ولم يتفكر في أن المنسيء والمحسن لا بد لهما من جزاء ، قوله (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) تعليل لإعراضهم ونسيانهم ذلك (٤) ، أي جعلنا أعمالهم على قلوبهم (أَكِنَّةً) أي أغطية (أَنْ يَفْقَهُوهُ) أي لئلا يفقهوا القرآن (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي ثقلا وصمما لا يسمعونه (وَإِنْ تَدْعُهُمْ) شرط أو (أَنْ) بمعنى «لا» للنهي ، أي لا تدعهم يا محمد (إِلَى الْهُدى) أي طريق الفلاح وهو دين الإسلام (فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) [٥٧] و (إِذاً)(٥) جواب وجزاء ، أما كونه جوابا فلأن قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) الآية في معنى لا تدعهم إلى الهدى على تقدير كون «إن» شرطا ، ثم نزل حرصه عليهالسلام منزلة قوله ما لي لا أدعوهم؟ فأجيب بقوله (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا)(٦) ، وأما كونه جزاء فلأنه يدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول على معنى أنهم جعلوا ما هو سبب لوجود الاهتداء سببا لانتفائه بالإعراض عن دعوته.
(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨))
(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ) للمؤمنين وهو البليغ في (٧) المغفرة (ذُو الرَّحْمَةِ) وهو الموصوف بالرحمة لهم خاصة في الآخرة باعطائهم الثواب ، وذي الرحمة في الدنيا لهم ولغيرهم بالرزق وغيره من النعم (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ) أي في الدنيا (بِما كَسَبُوا) من الذنوب (لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) فيها من غير إمهال لإفراطهم في عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولكنه لم يجعل (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) وهو يوم بدر أو يوم القيامة ، فيعذبون فيه (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ) أي من غيره (مَوْئِلاً) [٥٨] أي ملجأ ومنجى ، من وال إذا نجا وواءل إليه إذا التجأ إليه.
(وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩))
(وَتِلْكَ الْقُرى) مبتدأ مع صفته (أَهْلَكْناهُمْ) خبره ، أي تلك القرى المتقدمة من قبل أهل مكة ، والمراد
__________________
(١) إلا انتظار ، ح ي : الانتظار ، و.
(٢) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٣) «قبلا» : قرأ أبو جعفر والكوفيون بضم القاف والباء ، وغيرهم بكسر القاف وفتح الباء. البدور الزاهرة ، ١٩٣.
(٤) ذلك ، وي : ـ ح.
(٥) إذا ، ح ي : إذن ، و.
(٦) إذا ، + ي.
(٧) في ، ح و : ـ ي.