أصحاب القرى كعاد وثمود وقوم لوط أهلكناهم (لَمَّا ظَلَمُوا) مثل ظلم أهل مكة (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ) بضم الميم وفتح اللام (١) ، أي لإهلاكهم (مَوْعِداً) [٥٩] أي وقتا معلوما لا يتأخرون عنه كما جعلنا لأهل مكة يوم بدر ، وهو بفتح الميم وكسر اللام الهلاك وفتحهما كذلك وإنما أشار لهم إلى تلك القرى ليعتبروا فيؤمنوا.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠))
قوله (وَإِذْ قالَ مُوسى) عطف على قوله (وَإِذْ قُلْنا) عطف على قصة ليعتبروا بها ، أي واذكر إذ قال موسى بن عمران (لِفَتاهُ) أي لعبده وإنما قال لفتاه تعليما للأدب ، قال صلىاللهعليهوسلم : «ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ، ولا يقل عبدي وأمتي» (٢) ، وقيل : «هو يوشع ابن نون النبي ، وإنما قيل «فتاه» ، لأنه كان يخدمه ويأخذ منه العلم» (٣) ، روي : أنه لما ظهر موسى على مصر مع بني إسرائيل بعد هلاك القبط أمره الله أن يذكر قومه أنعام الله عليهم ، فقام فيهم خطيبا فذكر نعمة الله لهم ، فرقت القلوب وذرفت العيون ، فقالوا يا موسى! أي الناس أعلم؟ قال : أنا ، فعتب الله عليه حيث لم يرد العلم إلى الله تعالى فأوحى إليه بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين ، وهو الخضر ، وكان في أيام أفريدون الملك قبل موسى فبقي إلى أيام موسى ، فقال : يا رب! أين أطلبه وكيف لي به؟ قال : اطلبه على الساحل عند الصخرة ، وخذ حوتا مملوحا يكون زادا لك ، فحيث فقدت الحوت فهو هناك ، ففعل (٤) ، وقال لفتيه (لا أَبْرَحُ) من برح يبرح بمعنى لا يزال ، وهو من الأفعال الناقصة يقتضي الخبر وهو محذوف لدلالة الحال عليه فهو حال السفر ، أي لا أزال أسير (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) وهو المكان الذي وعد الله موسى لقاء الخضر وهو ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) [٦٠] أي أو أسير دهرا طويلا حتى أجده ، والحقب بضم القاف وسكونه (٥) «ثمانون سنة» (٦) ، وقيل : هو الدهر وجمعه أحقاب (٧) ، فذهبا يمشيان وقال موسى لفتيه إذا فقدت الحوت فأخبرني.
(فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١))
(فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) أي بين البحرين وجلسا على شاطئ البحر ، وفيه الصخرة ، وفيه من الحيوة التي لا يصيب ماؤها شيئا (٨) ميتا إلا حيي (٩) ، قيل : «وضع يوشع الحوت على الصخرة فرقد موسى وتوضأ يوشع من تلك العين ، فأصاب الحوت شيء من ماء الوضوء فاضطرب الحوت وخرج من المكتل ، ووقع في البحر ولما نسي يوشع عند الرحيل حمل الحوت أو إخبار موسى عن حاله ، ونسي موسى تذكره نسب النسيان إليهما» (١٠) ، فقيل (نَسِيا حُوتَهُما) في جواب «لما» (فَاتَّخَذَ) الحوت (سَبِيلَهُ) أي طريق الحوت (فِي الْبَحْرِ سَرَباً) [٦١] مفعول ثان ل «اتخذ» ، وهو الثقب تحت الأرض ، قيل : إذا لم يكن له منفذ يقال له سرب ، وإذا كان له منفذ يقال له نفق (١١) ، وإنما قال (فِي الْبَحْرِ سَرَباً) ، لأن الله تعالى أمسك جرية الماء على الحوت ، فقام الماء عليه مثل الطاق فصار للحوت سربا ولموسى أو للخضر معجزة.
(فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢))
(فَلَمَّا جاوَزا) أي الموعد وهو الصخرة تلك الليلة والغد إلى الظهر وألقى على موسى النصب والجوع ولم
__________________
(١) «لمهلكهم» : قرأ شعبة بفتح الميم واللام ، وحفص بفتح الميم وكسر اللام ، والباقون بضم الميم وفتح اللام. البدور الزاهرة ، ١٩٤.
(٢) رواه البخاري ، العتق ، ١٧ ؛ ومسلم ، الألفاظ ، ١٣ ، ١٥.
(٣) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٣ / ٢١٢.
(٤) اختصره من الكشاف ، ٣ / ٢١٢ ـ ٢١٣.
(٥) ولم أجد لهذه القراءة أصلا في المصادر التي راعتها.
(٦) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٠٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٨٢ (عن عبد الله بن عمر).
(٧) اختصره المفسر من البغوي ، ٣ / ٥٨٢.
(٨) شيئا ، وي : ـ ح.
(٩) حيي ، ح ي : يحيى ، و.
(١٠) أخذه المصنف عن البغوي ، ٣ / ٥٨٢ ـ ٥٨٣.
(١١) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.