به وتأمل معانيه (وَكانُوا) فيها (لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) [١٠١] أي كانوا صما عنه لا استطاعة بهم للسمع بغضا وكفرا منهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم.
(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢))
(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا) أي أظن الكافرون اتخاذهم (عِبادِي مِنْ دُونِي) أي ملائكتي وعيسى وعزيرا أو الشياطين (أَوْلِياءَ) أي أربابا للشفاعة نافعا لهم ، هو مفعول ثان ل «حسب» حذف للعلم به ، يعني لا ينفعهم عند الله كما حسبوا ، ثم بين عذابهم فقال (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) [١٠٢] وهو ما يعد للنزيل وهو الضيف ، أي أحضرنا للكفار جهنم كالنزل المعد للضيف.
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣))
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ) أي هل نخبركم (بِالْأَخْسَرِينَ) أي بالقوم الأغبنين (أَعْمالاً) [١٠٣] وهم المبطلون أعمالهم بالرياء والسمعة أو بطلب المنة والشكر من الخلق على معروفهم في الدنيا ، وقيل : هم الرهبان والقسيسون وأهل الكتابين الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع وأتعبوها في عمل يرجون به فضلا ونوالا فنالوا هلاكا وبورا (١) ، وهو معنى (٢) الخسران.
(الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥))
قوله (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ) استئناف ، وهو جواب عن السؤال المقدر ، أعني من هم فهو خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين بطل عملهم للخير (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ) أي يظنون (أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [١٠٤] أي يعملون عملا ينفعهم في الآخرة ، ويجوز أن يكون (الَّذِينَ) مبتدأ ، خبره (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي القرآن (وَلِقائِهِ) أي البعث بعد الموت (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطل ثوابها ، لأنها لم تقبل منهم (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) [١٠٥] أي لا نجعل لهم قدرا يوم القيامة لخساستهم أو لا نضع لهم ميزانا لأعمالهم الخير ، لأنهم انما يأتون السيئات بلا حسنات تقابل بها في الحديث : «رب أكول شروب لا يزن عند الله جناح بعوضة» (٣) ، وقيل «يأتي ناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم في العظم كجبال تهامة ، فاذا وزنوها لم تزن شيئا» (٤).
(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦))
قوله (ذلِكَ) أي المذكور ، قيل : مبتدأ (٥)(جَزاؤُهُمْ) مبتدأ ثان ، خبره (جَهَنَّمُ) وهما خبر الأول ، أي عقوبتهم جهنم (بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي) أي القرآن (وَرُسُلِي هُزُواً) [١٠٦] أي استهزاء.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧))
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر (كانَتْ لَهُمْ) في علم الله تعالى (جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ) وهو ربوة خضراء في الجنة أعلاها وأحسنها ، يقال لها سرة الجنة (نُزُلاً) [١٠٧] أي منازل مهيئة لهم.
(خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨))
(خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها) أي لا يطلبون (حِوَلاً) [١٠٨] أي تحويلا عنها وهو الانتقال كناية عن التخليد ، لأنهم لا يرجون فيها إلا ما يرغبهم في الإقامة فلا ينتقلون عنها ، قال صلىاللهعليهوسلم : «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فانه أعلى الجنة وأوسطها وفوقها عرش الرحمن» (٦).
__________________
(١) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٣١٥ ؛ والبغوي ، ٣ / ٦٠٤ ؛ والكشاف ، ٣ / ٢٢١.
(٢) معنى ، وي : من ، ح.
(٣) روى مسلم نحوه ، المنافقين ، ١٨.
(٤) عن سعيد الخدري ، انظر البغوي ، ٣ / ٦٠٥.
(٥) وهذا الرأي مأخوذ عن البيضاوي ، ٢ / ٢٤.
(٦) انظر البغوي ، ٣ / ٦٠٥.