الدال (١) ، أي جانبي الجبلين ، يعني ملأ ما بينهما إلى أعلاهما ، ثم وضع المنافخ حوله (قالَ انْفُخُوا) فنفخوا النار (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ) أي الحديد (ناراً) أي كالنار (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [٩٦] أي نحاسا مذابا ، تقديره : آتوني أفرغ علي قطرا ، حذف الأول بدلالة الثاني عليه ، والإفراغ الصب ، فصب النحاس المذاب على الحديد المحمى ، فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا واحدا ، قيل : بعد ما بين السدين مائة فرسخ (٢).
(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧))
(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) أي ما أطاقوه أن يصعدوا على ظهره لملاسته ورفعته (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) [٩٧] أي خرقا لصلابته وثخانته.
(قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨))
(قالَ) ذو القرنين (هذا) أي السد (رَحْمَةٌ) أي نعمة (مِنْ رَبِّي) علي وعليكم لعدم خروجهم بسببه (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) أي إذا دنى مجيء يوم القيامة (جَعَلَهُ) أي السد (دَكَّاءَ) أي مدكوكا مكسورا مسوى بالأرض ، وقرئ «دكاء» (٣) ، أي أرضا دكاء (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) [٩٨] أي واجبا حصوله بالثواب والعقاب بعد بعث الخلائق كلهم هذا آخر كلام ذي القرنين ، قيل : «إنهم يحفرون كل يوم الردم حتى إذا كادوا يرون الشعاع ، قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرنه غدا ولم يستثنوا فيعيده الله كما كان فاذا بلغت مدتهم قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله فيعودون إليه ، وهو كهيئته فيحفرونه ، ويخرجون على الناس وهم يتحصنون في حصونهم منهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع فيها كهيئة الدم ، فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ، فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم بدعاء عيسى عليهالسلام فيهلكون ، وتأكلهم دواب الأرض وتسمن وتشكر من لحومهم شكرا» (٤) ، فهذا انما يكون بعد خروج الدجال ونزول عيسى عليهالسلام وقتله بأمره تعالى ، ثم يبارك في الأرض فيخرج ثمرتها وترد بركتها فيكون الناس في نعمة وسعة إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة فيأخذهم من تحت آباطهم فيقبض روح كل مؤمن ويبقى شرار الناس (٥) فيقوم عليهم الساعة.
(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩))
ثم قال تعالى مخبرا عن حال الخلق بعد البعث (وَتَرَكْنا) أي ونجعل (بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ) أي بعض الخلائق يوم القيامة (يَمُوجُ) أي يختلط كموج الماء (فِي بَعْضٍ) إنسهم بجنهم من الحيرة وشدة الخوف ، وقيل : الضمير ل (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) ، أي يختلفون عند خروجهم من السد مزدحمين في البلاد لكثرتهم (٦)(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أي والحال أن إسرافيل قد نفخ الصور أرواح الخلائق ، لأن خروج يأجوج ومأجوج من علامات قرب الساعة (فَجَمَعْناهُمْ) أي الخلائق في مكان واحد هنالك (جَمْعاً) [٩٩] أي جمع.
(وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠))
(وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ) أي أظهرناها يوم القيامة (لِلْكافِرِينَ) أي الجاحدين بالحق (عَرْضاً) [١٠٠] أي رأوها عيانا.
(الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١))
ثم وصفهم بقوله (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ) أي غلاف في الدنيا (عَنْ ذِكْرِي) أي عن القرآن والإيمان
__________________
(١) «الصدفين» : قرأ شعبة بضم الصاد وإسكان الدال ، والمكي والبصريان والشامي بضم الصاد والدال ، والباقون بفتحهما. البدور الزاهرة ، ١٩٦.
(٢) قد أخذه عن الكشاف ، ٣ / ٢٢٠.
(٣) «دكاء» : قرأ الكوفيون بمد الكاف وهمزة مفتوحة بعدها غير منونة ، والباقون بتنوين الكاف من غير همز بعدها. البدور الزاهرة ، ١٩٧.
(٤) عن أبي هريرة ، انظر البغوي ، ٣ / ٦٠٠. وهذه الراية موجدة أيضا في تفسير القرآن العظيم ، ٥ / ٣٧١ ؛ والبداية والنهاية لب ٢ / ١٠٣ ، وهما لابن كثير.
(٥) ويبقى شرار الناس ، وي : وبقي شر الناس ، ح.
(٦) نقله المؤلف نقلا عن الكشاف ، ٣ / ٢٢١.