(قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤))
(قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) بهمز الألف وبغير الهمز فيهما (١) اسمان لقبيلتين من الأجة وهي شدة الحر ، لأنهم يتحركون ويهلكون ما يتصلون به كالنار ، وهما لا ينصرفان بالعلمية والتأنيث ، وقيل : أعجميان وهم من أولاد يافث بن نوح (٢) أو احتلام آدم ، لأنه احتلم وامتزجت نطفته بالتراب فهم منها يتصلون بنا من جهة الأب دون الأم (٣) ، قيل : بنو آدم عشرهم ، لأنه لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه يحملون السلاح (٤)(مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) قالوه له شكاية منهم ، أي هم يفسدون عند خروجهم إلينا بفعلهم الخبيث ، فانهم كانوا يخرجون إلى قوم صالحين بقربهم فيهلكون زروعهم وضروعهم ويقتلونهم ، وقيل : كانوا يأكلون الناس (٥) ، وقيل : كانوا يفعلون فعل قوم لوط (٦)(فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) أي جعلا للسد ، وقرئ «خراجا» (٧) ، أي جزية (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) [٩٤] أي حاجزا لئلا يصلوا إلينا.
(قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦))
(قالَ) ذو القرنين (ما مَكَّنِّي) بالإدغام وفكه (٨)(فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) أي الذي جعلني فيه قويا مكينا من كثرة المال والعلم وطلب ثوابه أفضل من ما تعطونني أنتم من الخراج ، يعني لا حاجة لي إليه (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي بالبنائين وصناع يحسنون البناء والعمل وبالآلات (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) [٩٥] أي سدا عظيما موثقا فحفروا ما بين السدين حتى بلغوا الماء وجاؤه بما أمرهم به ، ثم (آتُونِي) بقطع الهمزة من الإيتاء ، أي أعطوني وبوصل الهمزة من الاتيان (٩) ، أي جيئوني (زُبَرَ الْحَدِيدِ) أي قطعه جمع زبرة ، فجعل الأساس من الصخرة والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم (حَتَّى إِذا ساوى) السد (بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) بفتحتين وضمتين وبسكون
__________________
(١) «يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» : قرأ عاصم بالهمز المحقق فيهما ، والباقون بابداله حرف مد. البدور الزاهرة ، ١٩٦.
(٢) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٥٩٦.
(٣) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٥٩٧. وقال ابن كثير :
«ومن زعم أن يأجوج ومأجوج خلقوا من نطفة آدم حين احتلم فاختلطت بتراب ، فخلقوا من ذلك وإنهم ليسوا من حواء فهو قول حكاه الشيخ أبو زكريا النووي في شرح مسلم وغيره وضعفوه وهو جدير بذلك ، إذ لا دليل عليه ، بل هو مخالف لما ذكرناه من أن جميع الناس اليوم من ذرية نوح بنص القرآن ، وهكذا من زعم أنهم على أشكال مختلفة وأطوال متباينة جدا. فمنهم من هو كالنخلة السحوق ومنهم من هو غاية في القصر ، ومنهم من يفترش أذنا من أذنيه ويتغطى بالأخرى ، فكل هذه الأقوال بلا دليل ورجم بالغيب بغير برهان. والصحيح أنهم من بني آدم وعلى أشكالهم وصفاتهم ... عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معائشهم ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا ، وإن من ورائهم ثلاث أمم : تاويل وتاريس ومنسك» ، وهو حديث غريب جدا وإسناده ضعيف ، وفيه نكارة شديدة». انظر البداية والنهاية ، ٢ / ١٠١.
(٤) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٣ / ٢٢٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٥٩٦ ، ٥٩٧.
(٥) نقله عن البغوي ، ٣ / ٥٩٨ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٢٢٠.
(٦) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٧) «خرجا» : قرأ الأخوان وخلف بفتح الراء وبعدها ألف ، والباقون باسكانها من غير ألف. البدور الزاهرة ، ١٩٦.
(٨) «مكني» : قرأ المكي بنونين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة مخففة ، وغيره بنون واحدة مشددة مكسورة. البدور الزرهرة ، ١٩٦.
(٩) «ردما ائتوني» : قرأ شعبة بكسر تنوين «ردما» وهمزة ساكنة بعده وصلا فان وقف على «ردما» وابتدأ ب «ائتوني» فيبتدئ بهمزة وصل مكسورة وإبدال الهمزة الساكنة بعدها ياء ، والباقون باسكان التنوين وهمزة قطع مفتوحة وبعدها ألف وصلا ووقفا. البدور الزاهرة ، ١٩٦.