عني عشرا ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فان أمتك أضعف أجساما وقلوبا ، قلت : والله سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضي وأسلم ، وقيل : رجع وسأل ، فقال تعالى : يا محمد ، قال : لبيك وسعديك ، قال : إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلوة عشر هي خمس عليك وهي خمسون في أم الكتاب لا يبدل القول لدي ، من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت له عشر ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء فان عملها كتبت سيئة واحدة ، فلما جاوزت نادى مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، ثم أدخلت الجنة فاذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، أي القباب منه ، وإذا ترابها المسك» (١).
قال الراوي : ثم أهبط بسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ، فلذلك اختلف أهل العلم ، أن المعراج في المنام أو في اليقظة؟ وقبل الوحي أو بعده؟ فقال المحققون : أن هذا كان رؤيا في المنام أراه الله عزوجل قبل الوحي بدليل آخر الحديث ، يعني فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة بسنة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ، ثم كان تحقيقه سنة ثمان ، ونزل قوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ)(٢).
وروي : أنه لما رجع رسول الله ليلة أسري به وكان بذي طوى ، قال : يا جبرائيل! إن قومي لا يصدقونني ، قال : يصدقك أبو بكر وهو الصديق.
وروي الزهري عن عروة أن النبي عليهالسلام لما أصبح ليلة أسري به وأخبر الناس بذلك ارتد ناس ممن صدقوه وفتنوا وسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر ، فقالوا : هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال لئن قال ذلك لقد صدق ، قالوا : أتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة وجاء قبل أن يصبح؟ قال : نعم إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء بغدوة أو روحة ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق ، ثم قالوا للنبي عليهالسلام : هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ قال : نعم ، قالوا : أخبرنا عن نعته ، فأخبرهم عنه كما كان ، فقال قوم : إن النعت فو الله لقد أصاب ، ثم قالوا : يا محمد أخبرنا عن عيرنا فهي أهم إلينا ، هل لقيت منها شيئا؟ قال : نعم مررت على عير بني فلان وهي بالروحاء وقد أضلوا بعيرا لهم وهم في طلبه ، وفي رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته فشربته ثم وضعته كما كان ، فسألوهم هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا إليه ، قالوا : هذه آية ، قالوا : فأخبرنا عن عيرنا ، قال مررت بها بالتنعيم ، قالوا : فما عدتها وأحمالها وهيئتها ومن فيها؟ قال : نعم هيئتها كذا وكذا وفيها فلان تقدمها جمل أورق عليه غرارتان محيطتان تطلع عليكم عند طلوع الشمس ، قالوا : وهذه آية ، ثم خرجوا ثم يسدون نحو الثنية حتى أتوا عليها فجعلوا ينتظرون متي تطلع الشمس فيكذبونه ، وبعضهم على ثنية أخرى ينتظرون العير ، إذ قال قائل منهم : والله هذه الشمس قد طلعت ، وقال الآخر : والله هذه الإبل قد طلعت تقدمها بعير أورق فيها فلان وفلان كما قال لهم ، فلم يؤمنوا ، وقالوا : إن هذا إلا سحر مبين ، قال رسول الله عليهالسلام : لقد رأيتني في الحجر وهو حطيم البيت وقريش تسألني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط ، فرفعه الله أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به ، قيل : سر الإسراء به من مكة إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء ، هو أن يكون ذلك سببا لتصديقه الصعود إلى السماء على التدريج ، لأنه إذا أخبرهم بقطع المسافة البعيدة في أيسر زمان دل دلالة صحيحة على إمكان صعوده إلى السماء أيضا عقلا (٣).
__________________
(١) رواه البخاري ، بدء الخلق ، ٦ ، مناقب الأنصار ، ٤٢ ؛ ومسلم ، الإيمان ، ٢٥٩ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤.
(٢) الفتح (٤٨) ، ٢٧.
(٣) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٢٥٩ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤٦١ ـ ٤٦٨.