(وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥))
(وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) أي كل واحد منهم يأتيه (يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [٩٥] أي منفردا ليس معه مال ولا ولد ولا أحد من المشركين وهو بريء منهم.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦))
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ) أي سيحدث (لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) [٩٦] أي مودة في القلوب لا بسبب من أسباب يكتسب بها الناس مودة في قلوبهم كقرابة وعطاء وصدقة وغير ذلك بل هو اختراع من الله ابتداءا اختصاصا منه لأوليائه بكرامة خاصة ، قيل : «معناه يحبهم الله ويحبهم إلى عباده في الدنيا» (١) ، وقيل : يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم في كتبهم (٢) ، روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال لعلي رضي الله عليه : «يا علي قل اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في صدور المؤمنين مودة» (٣) ، فأنزل الله هذه الآية ، قيل : «ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه» (٤) حتى يرزقه مودتهم.
(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧))
(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ) أي سهلنا القرآن (بِلِسانِكَ) أي بلغتك وهو اللسان العربي (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) أي الموحدين الخائفين الراجين (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) [٩٧] أي شديد الخصومة ، جمع ألد كصم وأصم ، قال مجاهد : «الألد الظلم الذي لا يستقيم» (٥) ، وقيل : «هو الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل» (٦).
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨))
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أي قبل قريش (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ) أي هل تجد (مِنْ أَحَدٍ) أو تري (أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) [٩٨] أي صوتا خفيا ، والركز هو الصوت الخفي الذي لا يفهم ، ومنه الركاز وهو المال المدفون ، والاستفهام فيه بمعنى النفي ، أي لا تحس ولا تسمع بل أهلكوا جميعا وهو تخويف لأهل مكة بهلاك من قبلهم بالعذاب بسوء أعمالهم وترك التوحيد.
__________________
(١) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٦٤١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٣٤ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٤ (عن ابن عباس).
(٢) أخذه عن الكشاف ، ٤ / ٢٤.
(٣) وهذا منقول عن الكشاف ، ٤ / ٢٤.
(٤) عن قتادة ، انظر الكشاف ، ٤ / ٢٤.
(٥) انظر البغوي ، ٣ / ٦٤١.
(٦) عن أبي عبيدة ، انظر البغوي ، ٣ / ٦٤١.