وتثبيطا للناس عن اتباعهما (١) ، قرئ «إن» بالتخفيف ، فهي إما خفيفة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية أو نافية واللام بمعنى «إلا» ، وقرئ بالتشديد ف «إن» بمعنى نعم و «ساحران» خبر مبتدأ محذوف ، أي لهما ساحران ليكون اللام داخالة على الجملة ، وقرئ «هذان» بتشديد النون مع سكون «إن» (٢) ، قوله (يُرِيدانِ) أي موسى وهرون ، خبر بعد خبر (أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) [٦٣] أي بسنتكم وشريعتكم الفضلى ، و (الْمُثْلى) تأنيث الأمثل وهو الأشرف.
(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥))
(فَأَجْمِعُوا) من الإجماع ، أي أحكموا (كَيْدَكُمْ) أي مكيدكم ، يعني ما تكيدون به موسى أو أعزموا على هلاك موسى ، وقرئ «فاجمعوا» (٣) من الجمع ، أي جيئوا بكل كيد تقدرون عليه (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) أي مصطفين في الموعد ومجتمعين ليكون أشد لهيبتكم وأنظم لأمركم فجاؤا في سبعين صفا كل صف ألف (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) [٦٤] قيل : هذا اعتراض من قول فرعون للسحرة للترغيب في غلب موسى (٤) ، أي قد فاز ونجا اليوم ، من علا بالغلبة ، ثم جمع فرعون السحرة مع موسى في الموعد و (قالُوا) أي السحرة مع تأدبهم له بالهام الله لهم ذلك (يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) أي تطرح عصاك على الأرض (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) [٦٥] عصاه على الأرض.
(قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧))
(قالَ) لهم موسى بوحيه تعالى إليه الاختيار مع مقابلة الأدب بالأدب (بَلْ أَلْقُوا) ما معكم احتقارا بهم وليظهر الحق من الباطل ، لأن الحق يدمغ الباطل ويمحوه (فَإِذا حِبالُهُمْ) أي ألقوا ما معهم فاذا حبالهم (وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) أي إلى موسى (٥)(مِنْ سِحْرِهِمْ) أي يرى له ظاهرا (أَنَّها تَسْعى) [٦٦] ومحله رفع بدل اشتمال من ضمير (يُخَيَّلُ) على قراءته بالياء مذكرا وهو عائد للسحر أو نائب فاعل له ، وقرئ «تخيل» بتاء مضمومة مع فتح الياء لتأنيث جماعة الحبال والعصي (٦) ، أي خيلت آلاتهم إلى موسى أنها تسعى وتضطرب محنة وإظهارا للمعجز فهو بدل أيضا ، قيل : رأى موسى كأن الأرض امتلأت حيات أخذت ميلا من كل جنانب (٧)(فَأَوْجَسَ) أي أضمر (فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) [٦٧] أي ظنا منه أنها تقصده كعادة البشر لدلالة قوله (فِي نَفْسِهِ) ، لأنه من خطرات النفس لا من القلب ، ف (مُوسى) فاعل «أوجس» و «خفية» مفعوله ، وقيل : خيفة تفرق الناس بعد مشاهدة الحيات وقبل أن يؤمر بالقاء العصا فيضلوا ولا يثبت (٨) معجزة (٩).
(قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ
__________________
(١) قد نقله المصنف عن الكشاف ، ٤ / ٣٧.
(٢) «إن هذان» : قرأ ابن كثير باسكان نون «إن» و «هذان» بالألف مع تشديد النون والمد المشبع للساكنين وصلا ووقفا وقرأ أبو عمرو بتشديد نون «إن» وفتحها و «هذين» بالياء مع تخفيف النون وحفص باسكان نون «إن» و «هذان» بالألف مع تخفيف النون ، والباقون بتشديد نون «إن» وفتحها و «هذان» بالألف مع تخفيف النون. البدور الزاهرة ، ٢٠٥.
(٣) «فأجمعوا» : قرأ أبو عمرو بهمزة وصل بعد الفاء وفتح الميم وغيره بهمزة قطع مفتوحة مع كسر الميم. البدور الزاهرة ، ٢٠٥.
(٤) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٣٨.
(٥) (فَإِذا حِبالُهُمْ) أي ألقوا ما معهم فاذا حبالهم (وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) أي إلى موسى ، ح و : فألقى السحرة ما معهم (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) أي إلى موسى ، ي.
(٦) «يخيل» : قرأ ابن ذكوان وروح بتاء التأنيث وغيرهما بياء التذكير. البدور الزاهرة ، ٢٠٥.
(٧) أخذه المفسر عن البغوي ، ٤ / ٢١.
(٨) يثبت ، وي : تثبت ، ح.
(٩) لعل المفسر اختصره من القرطبي ، ١١ / ٢٢٢.