أي إلى معبودك الذي صرت (عَلَيْهِ عاكِفاً) أي مقيما على عبادته (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالنار مرة بعد مرة (ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ) أي لنذرينه (فِي الْيَمِّ) أي في البحر (نَسْفاً) [٩٧] أي ذروا يبطل سعيك ، وأصل «ظلت» ظللت ، حذفت اللام الأولى ونقل حركتها إلى الظاء ومنهم من لم ينقل ولم يحذف ، روي : «أن موسى أخذ العجل فذبحه ثم حرقه بالنار ثم ذراه في اليم» (١).
(إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩))
(إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي العجل ليس بالهكم وإنما إلهكم الله الذي لا معبود للخلق سواه (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) [٩٨] أي وسع علمه وأحاط بكل شيء ، أي بما كان وما يكون (كَذلِكَ) أي قال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم مثل ما ذكرنا لك من أخبار بني إسرائيل (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ) أي من أخبار (٢)(ما قَدْ سَبَقَ) من الأمم الماضية (وَقَدْ آتَيْناكَ) أي أعطيناك (مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) [٩٩] أي قرآنا كرامة لك من عندنا وزيادة في معجزاتك ليعتبر السامع ويزداد بصيرته في دينه ، وفيه النجاة والسعادة لمن أقبل عليه.
(مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١))
(مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ) أي عن القرآن فلم يعتبر ولم يعمل به لجحده إياه (فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) [١٠٠] أي إثما ثقيلا (خالِدِينَ) حال من ضمير (يَحْمِلُ) وجمع نظرا إلى معنى «من» ، أي ماكثين (فِيهِ) أي في عقاب الوزر (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) [١٠١] تمييز لما أبهم في (ساءَ) بمعنى بئس من الضمير ، أي ساء الحمل حملا وزرهم ، يعني بئس ما يحملون من الذنوب ، قيل : نصب (حِمْلاً) على التمييز يمنع من أن يكون في (ساءَ) ضمير ال «وزر» (٣) ، واللام في (لَهُمْ) للبيان وهو يدل على أن (ساءَ) بمعنى بئس لا بمعنى أحزن ، إذ لا يقال أحزن له بل يقال أحزنه.
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢))
قوله (يَوْمَ يُنْفَخُ) بالنون إخبارا عن المتكلم تعظيما ، وبالياء مجهولا (٤) ، يجوز أن يكون بدلا من «يوم القيامة» ، ويجوز أن يكون عامله محذوفا ، تقديره : حذرهم يوم ينفخ إسرافيل (فِي الصُّورِ) الذي التقمه للنفخ (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ) أي المشركين (يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) [١٠٢] أي زرق الأعين من شدة العطش وهو (٥) شدة الخضرة في سواد العين ، وقيل : عميا (٦) لأن العين إذا زال نورها ازرقت أو الزرقة علامة أهل النار.
(يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤))
(يَتَخافَتُونَ) حال من ضمير (زُرْقاً) ، من الخفوت وهو السكوت ، أي يتسارون (بَيْنَهُمْ) لهول ذلك اليوم قائلين (إِنْ لَبِثْتُمْ) في الدنيا استقصارا لمدة لبثهم فيها أو بين النفختين وهو أربعون سنة ، لأنهم لا يعذبون فيها أو في القبور بعد الموت ، يعني يقولون ما مكثتم (إِلَّا عَشْراً) [١٠٣] أي عشرة أيام ، وقيل : عشر ساعات (٧) ، قال الله تعالى (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) أي أوفاهم عقلا وأوفرهم رأيا وقولا (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) [١٠٤] لقصره عندهم ، لأن أيام الراحة قليلة ، وقيل : نسوا مقدار لبثهم لشدة ما دهمهم (٨).
__________________
(١) عن السدي ، انظر البغوي ، ٤ / ٢٩.
(٢) أي من أخبار ، و : أي أخبار ، ح ي.
(٣) نقل المؤلف هذا الرأي عن الكشاف باختصار ، ٤ / ٤٥.
(٤) «ينفخ» : قرأ أبو عمرو بنون مفتوحة مع ضم الفاء ، والباقون بياء مضمومة في مكان النون مع فتح الفاء. البدور الزاهرة ، ٢٠٧.
(٥) وهو ، ح و : وهي ، ي.
(٦) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٣٥٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٠.
(٧) وقد نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٣٥٤.
(٨) قد أخذه المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٣٠.