والعجب أن الحاكم أبا عبد الله النيسابوري أخرجه في مستدركه على الصحيحين ، وهذا مما يستدرك به على المستدرك : فإنه حديث موضوع مخالف للأحاديث الصحاح من وجوه : ومعناه لا يصح أيضا ، فقد تقدم في الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله خلق آدم طوله ، ستون ذراعا في السماء إلى أن قال : ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن».
وفيه أنه لم يأت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى كان هو الذي ذهب إليه ، وهذا لا يصح ، لأنه كان أحق بالسعي إلى بين يدي خاتم الأنبياء. وفيه أنه يأكل في السنة مرة ، وقد تقدم عن وهب أنه سلبه الله لذة المطعم والمشرب ، وفيما تقدم عن بعضهم : أنه يشرب من زمزم كل سنة شربة تكفيه إلى مثلها من الحول الآخر.
وهذه أشياء متعارضة وكلها باطلة لا يصح شيء منها.
وقد ساق ابن عساكر هذا الحديث من طريق أخرى واعترف بضعفها وهذا عجب منه ، كيف تكلم عليه؟ فإنه أورده من طريق حسين بن عرفة عن هانىء بن الحسن عن بقية ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، عن واثلة عن ابن الأسقع ، فذكر نحو هذا مطولا. وفيه أن ذلك (١) كان في غزوة تبوك ، وأنه بعث إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنس بن مالك وحذيفة بن اليمان ، قالا : فإذا هو أعلى جسما [منا](٢) بذراعين أو ثلاثة ، واعتذر بعدم قدرته لئلا تنفر الإبل. وفيه أنه لما اجتمع به رسول الله صلىاللهعليهوسلم أكلا من طعام الجنة ، وقال : إن لي في كل أربعين يوما أكلة ، وفي المائدة خبز ورمان وعنب وموز ورطب وبقل ، ما عدا الكراث ، وفيه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سأله عن الخضر فقال : عهدي به عام أول ، وقال لي : إنك ستلقاه قبلي فأقرئه مني السلام.
وهذا يدل على أن الخضر وإلياس ، بتقدير وجودهما وصحة هذا الحديث لم يجتمعا به إلى سنة تسع من الهجرة ، وهذا لا يسوغ (٣) شرعا. وهذا موضوع أيضا.
وقد أورد ابن عساكر طرقا فيمن اجتمع بإلياس من العباد ، وكلها لا يفرح بها ، لضعف إسنادها أو لجهالة المسند إليه فيها. ومن أحسنها ما قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني بشر بن معاذ ، حدثنا حماد بن واقد ، عن ثابت قال : كنا مع مصعب بن الزبير بسواد الكوفة ، فدخلت حائطا أصلي فيه ركعتين فافتتحت :
(حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ.)
[٤٠ / غافر : ١ ـ ٣]
فإذا برجل من خلفي على بغلة شهباء ، عليه مقطعات يمنية فقال لي : إذا قلت : «غافر الذنب» فقل : يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي ، وإذا قلت : «قابل التوب» فقل : يا قابل التوب
__________________
(١) و : أنه كان.
(٢) من و.
(٣) و : لا يجوز.