<٤> هداية تنبيهيّة
إنّا بما هديناك ـ إلى أنّ الإمكان بالذّات هو سلب ضرورة تقرّر الذّات وسلب ضرورة لا تقرّرها بالنّظر إليها سلبا بسيطا تحصيليّا ، وينطوى فى ذلك سلب ضرورة الوجود والعدم بالنّظر إليها سلبا بسيطا ـ علّمناك أنّك ، كما دريت : أنّ الوجوب ضرورة الوجود بالنّظر إلى الذّات ، على أن يكون الشّيء من حيث هو هو بنفسه متقرّرا ، ونفس ذاته مصداق حمل مفهوم الواجب عليه ، لا على أن يكون ذاته علّة لضرورة لا تجوهره ولضرورة عدمه.
فكذلك يجب أن تعلم : أنّ الإمكان بالذّات سلب ضرورة التّجوهر وسلب ضرورة اللاّتجوهر معا ، وسلب ضرورة الوجود والعدم جميعا بالنّظر إلى الذّات سلبا بسيطا ، على أن تكون الذّات ، بما ليس لها اقتضاء ، مصداق سلب الضّرورة عن طرفيها ، لا أنّها علّة مقتضية لذلك السّلب ، كما هو سنّة الماهيّات بالقياس إلى لوازمها ؛ إذ الذّات لمّا لم تكن بنفسها متجوهرة أو لا متجوهرة ، ولم يكن من قبلها اقتضاء أصلا لضرورة التّجوهر أو ضرورة اللاّتجوهر أو ضرورة الوجود أو ضرورة العدم ، أو التّجوهر أو اللاّتجوهر أو الوجود أو العدم ؛ بل إنّما وجدها العقل بنفس ذاتها فى كورة محوضة القوّة الصّرفة. وعلى الافق الأقصى فى تلك النّاحية (٧١) كان يصدق السّلب البسيط المطلق ولم يكن صدق ذلك السّلب ، بما هو سلب بسيط ورفع بحت ، ممّا يعوز إلى اقتضاء من تلقاء الذّات له ، بل يكفى فيه عدم الاقتضاء على الإطلاق.
فإذن ، الإمكان بالذّات ليس من لوازم الماهيّة على المعنى الشّائع المصطلح ، بل على معنى أنّ نفس الماهيّة تكفى لصدقه ، لا باقتضاء ؛ فإنّ السّلب البسيط لا يفتقر إلى اقتضاء، بل يكفيه عدم اقتضاء الذّات لما هو سلب له. نعم تساوى الطرفين بالنظر إلى نفس الذّات الإمكانيّة المتقرّرة فى لحاظ العقل أو صحّة إيجاب ضرورتهما لماهيّتها المتقرّرة بحسب حكم العقل من لوازم الماهيّة بالنّسبة إليها على المعنى الشّائع ، لكن ليس حقيقة الإمكان ذلك ، بل أرفع منه فى صرافة القوّة.
وهذه دقيقة حكميّة نضيجة ، والجمهور يغفلون عنها. والأقرب منهم درجة