من التّعاقبات فى التّقرّرات والبطلانات. على أنّا لم نكن نكترث بمثل ذلك فى التّنبيه على وجود الزّمان ، لأنّه من الأشياء المعروفة الإنيّة. وإنّما الغرض الّذي يرام بالتّبيانات التّنبيهيّة إيضاح ما فيه خفاء ببسط ما وكشف ما لا اقتناص حقيقىّ.
وإن أزعجك أنّ التّصديق بالقبليّة والبعديّة على هذا الأسلوب متضمّن للتّصديق بالأمر الممتدّ ، وهو الزّمان ، لا أنّه متوقف عليه مجرّد التّوقّف فحسب. فإذن يكون الشّيء قد أخذ بعينه فى تبيان نفسه.
أزيح : بأنّ مشاهدة حال الحوادث تعطى التّصديق بهاتين على وجه يتضمن الوجود الوهميّ للأمر الممتدّ ، فيجعل ذلك ذريعة إلى إثبات الوجود العينىّ للزّمان : إمّا بنفسه أو براسمه ؛ بأن يقال : القبليّة والبعديّة المستلزمتان للممتدّ الوهمىّ تعرضان المتقرّرات العينيّة فى الذّهن بحسب حالها (١٢٧) فى الأعيان ، فيلزم أن يكون لا محالة لعروضهما وجود عينىّ. فإذن يكون فى الأعيان أمر موجود بحذاء ذلك الممتدّ الوهمىّ ، وهو إمّا نفس الزّمان أو راسمه بتّة.
<٣> مشعب وتحكيم
هل استبان لك سبيل الفلاسفة اليونانيّة والإسلاميّة فى التّبيانات ، وهو أنّ الحادث بعد ما لم يكن له قبليّة يمتنع بها للقبل والبعد أن يكونا معا فى التقرّر ، لا كقبليّة الواحد على الاثنين وأمثالها ، من الّتي لا تمنع ذلك ، ففيه تجدّد بعديّة بعد قبليّة باطلة ، وليست هى نفس العدم فقد يكون العدم بعد ، ولا ذات الفاعل فقد يكون قبل ومع وبعد ؛ فإذن هناك شيء آخر لا يزال يتجدّد ويتصرّم على الاتصال.
وبالجملة ، إنّ العدم المعروض للقبليّة لا يأبى نظرا إليه بما هو فرد من طبيعة العدم أن تزول عنه تلك القبليّة وتعرضه البعديّة ، فينقلب كلّ من القبليّة والبعديّة إلى الاخرى أو أن يكون بحيث يمكن أن تعرضه البعديّة لا القبليّة من بدء الأمر ، كما أنّه يمكن له أن تعرضه القبليّة لا البعديّة ابتداء ؛ إذ طبيعة العدم بما هى تلك الطبيعة لا تقتضى أن تتعاقب أفرادها فى التّحقق ، ولا أن يختصّ شيء من أفرادها بالقبليّة