الّتي تعرض الزّمان بالذّات وتتصف بها الزّمانيّات بالعرض. فنحو منها يكون باعتبار الزّمان ونحو آخر منهما يتقدّس عن الوقوع فى افق الزّمانيّات وإنّما يكون بحسب الدّهر والسّرمد.
فإذن ، لو اقتديت بالمحدقين بعرش نضج الحكمة انصرح لك أنّ القبليّة الّتي لا تتصوّر إلاّ مع توهّم تخلّل ممتدّ أولا ممتدّ بين القبل والبعد إنّما تكون لكون طبيعة متجدّدة متصرّمة متّصلة تقتضى أن يكون هناك قبل وبعد بالذّات.
وأمّا مطلق القبليّة الّتي تصدّ القبل والبعد عن الاقتران فى التّحقّق فإنّما يكون لكون التّحقّق حاصلا بالفعل لما هو قبل من دون أن يكون حاصلا لما هو بعد فى نفس الأمر ، ولا يكون حاصلا لما هو بعد إلاّ ويكون قد حصل أوّلا لما هو قبل.
فإن كان ذلك بحيث يتخلل بينهما ممتدّ بالذّات أو لا ممتدّ بالذّات هو من حدود الممتدّ بالذّات كانت القبليّة زمانيّة ، وإلاّ كانت النّحو الآخر ، أعنى الدّهريّة والسّرمديّة ، وسيجاء به فى مستأنف القول إن شاء اللّه تعالى.
فإن استفتيت : أليس مفهوم المطلقة العامّة الفعليّة هو التّحقّق فى أحد الأزمنة.
قيل لك : كلاّ ، بل إنّما يكون كذلك إذا كان موضوع العقد من الزّمانيّات دون ما إذا كان خارجا عنها. وذلك غير مغفول عنه فى أقوال رؤساء الفلسفة فى صناعة الميزان.
فإذن ، قد تكشّف لك أن مصير الفلاسفة فى إثبات وجود الزّمان ليس إلى مقيل (١) التّحصيل ، ومسيرهم ليس على سبيل التّعويل ، وأنّ محجّة نضج الحكمة على ما تلى عليك لمن صرف الحقّ وقراح اليقين ؛ فاستمع بصدق قريحتك للحكمة ولا تكن من الممترين.
<٤> عصام دفاعيّ
__________________
(١). المقيل موضع القائلة وهى القيلولة ، أى الاستراحة فى الظهيرة وإن لم يكن نوم. ويقال : قال ، يقيل قيلولة وقيلا ومقيلا. منه ، رحمه اللّه تعالى.