<٢٠> تفصيل انصراميّ
الفلاسفة الّذين يحيصون عن صراط الحقّ ومحجّة الحكمة وينصرفون عن الفلسفة الحقيقيّة إلى ركوب التّفلسف ، فيتهوّسون بإثبات القدم لبعض الجائزات واللاّنهاية لبعض الكميّات ، يجعلون الزّمان موجودا بالفعل أزلا وأبدا غير مسبوق بالعدم فى الواقع أصلا ، ومتماديا فى كميّة إلى لا نهاية بالفعل غير متناهى التّمادى فى جانب الأزل ، ولا ممكن انقطاع الامتداد فى جانب الأبد.
ويظنّون أنّ عدم وجود الآن بالفعل إنّما يترتب على ذلك ؛ إذ يصحّ أن يقال : إنّ الآن لا يوجد بالفعل بالقياس إلى نفس الزّمان أصلا. ولا يقطع اتّصاله ، بل إنّما وجوده على أن يتوهمه الوهم واصلا فى مستقيم الامتداد ، والواصل لا يكون بالفعل فى المستقيم الامتداد من حيث هو واصل ، وإلاّ لكانت واصلات بلا نهاية ففعليّته إنّما تكون لو قطع الزّمان ضربا من القطع ومحال أن يقطع اتّصاله. فلو جعل له قطع فإمّا فى بدايته فيكون معدوما ثمّ وجد ، فعدمه قبل وجوده ، ولا شيء غير الزّمان يحصل به هذا النّوع من القبليّة ، فيكون هذا الزّمان قبله زمان يتصل بذلك قبل ، وهذا بعد ، وهذا الفصل يجمعهما وقد فرض فاصلا أو على أنّه نهاية له. وليس لا يمكن أن يوجد بعده شيء ، حتّى يستحيل أن يوجد شيء مع عدمه.
فالوجود الواجب والإمكان المطلق لا يرتفعان ، فيكون بعده إمكان وجود شيء ، فله بعد وهو قبل. فالآن واصل ، لا فاصل. فقد خولف ما فرض وصفه. فالزّمان لا يكون له آن بالفعل موجود بالقياس إلى نفسه ، بل بالقوّة القريبة من الفعل ؛ فإنّه يتهيّأ أن يفرض الآن فيه دائما. فهذا ما يقوله معلّم الفلسفة المشّائيّة والرّؤساء اليونانيّون والإسلاميّون.
ونحن ـ حنفاء الملّة البيضاء النّورانيّة الإسلاميّة وحكماء الحكمة اللمعاء اليمانيّة الإيمانيّة ـ نردعهم عمّا يقولون ونفضح زلاقاتهم فيما يظنّون. فهناك قبليّة وبعديّة ليس بحسبها استيجاب أن يتصوّر امتداد يكون بينه وبين الزّمان آن واصل