ومسبوقيّة الزّمان بأصل العدم الصّرف ، لا بالعدم المستمرّ أو اللاّمستمرّ. وليس ذلك يستلزم وجود الآن بالفعل ؛ لأنّ الزّمان ليس بطرفه منتهيا إلى ذلك العدم حتّى يكون طرفه متوسّطا بينه وبين العدم ؛ بل هو ، بنفسه وبكلّ جزء من أجزائه وبكلّ حدّ من حدوده، منته إلى ذلك العدم ، محفوف بذلك اللّيس على سبيل المسبوقيّة به ، والمسبوقيّة بالعدم بالفعل على هذا السّبيل ليس هو مناط تناهى امتداد المقدار بالفعل ولا هو مصادم تماديه إلى لا نهاية بالفعل ، بل إنّما يعيّن الفحص والبرهان أحد الأمرين فيه بنظر آخر.
ونحن إنّما نقضى بانتهاء تمادى الزّمان فى جهة الماضى لانسياق البرهان إلى أنّه يستحيل أن يمتدّ المقدار إلى لا نهاية بالفعل ، أىّ نوع كان من أنواع المقادير ، لا لأنّ الحدوث الدّهرىّ يستلزمه.
فالحدوث الدّهرىّ ليس يستلزم ذلك ولا يصادمه ، كما لا يستلزمه الحدوث الذّاتىّ ولا يصادمه ، وكما لا يستلزم الحدوث الدّهرىّ تناهي الأبعاد القارّة الجسمانيّة ولا يصادمه ، بل يفتقر تحقيق الأمر إلى البرهان.
ثمّ بعد أن ينصرح أنّه يستحيل تمادى الزّمان إلى لا نهاية الفعل لا يجب أن يحكم بلزوم وجود الآن بالفعل فى المبدأ ؛ فإنّه ليس تناهى امتداد المقدار فى مقداريّته مساوق وجود الحدّ والطرف له ، فكثيرا ما يكون المقدار متناهى المقداريّة ولا يكون له طرف موجود بالفعل ، كمحيط الدّائرة ومحيط الكرة. وكثيرا ما ينتفى المقدار عند حدّ ، ولا يكون ذلك الحدّ نهاية له ، كسطح المثلّث (١٣٣) عند كلّ نقطة من نقط زواياه ، وليست هى طرفا ونهاية له.
وكثيرا ما يكون الشّيء حادث الوجود ، ولتقرّره ووجوده مبدأ لكونه بعد البطلان والعدم بالفعل ، ولا يلزمه وجود آن بالفعل فى مبدأ حدوثه ، كالحركات التّوسّطيّة الحادثة. وستعرف ذلك فى مؤتنف الكلام إن شاء اللّه تعالى.
فإذن ليس يلزم من حدوث الزّمان حدوثا دهريا ولا من امتناع تماديه بحسب مقداريّته إلى لا نهاية بالفعل أن يوجد هناك بالفعل آن.