الآن طرف الزّمان ، لا شيء آخر أصلا.
وأمّا الوجود أو العدم أو أيّة طبيعة كانت من الامور الّتي هى غير الآن ، فلا يمكن أن يتّصف بلا استمرار الحصول إلاّ بحسب مقارنة الآن على سبيل الانطباق عليه.
ألست قد استسهلت ما يضاهى هذا الأصل ، حيث حكمت فيما استقنيت من طبقات العلوم : أنّ الكيف فى سنخ طباعه ليس يقبل القسمة ولا اللاّقسمة ، بل ربما يعرض ذلك بحسب مقارنة المحلّ ، كالسّواد الحالّ فى الجسم ؛ فإنّه سار فى محلّه. فبحسب انقسام ما سرى فيه من المحلّ بالذّات ينقسم هو بالعرض على معنى (١٣٤) أنّه ينسب إليه ذلك الانقسام بعينه لا بالذّات وبحسب لا انقسام حدود المحلّ بوصف السّواد الحاصل لكلّ حدّ من تلك الحدود باللاّانقسام بالعرض ، أى بعين اللاّانقسام الّذي هو لذلك الحدّ بالذّات ، والسّواد فى حدّ نفسه ليس بحيث يكون منقسما أو غير منقسم أصلا.
ولا نعنى بذلك : أنّ الكيف متوسّط بين الانقسام واللاّانقسام ؛ إذ لا يعقل بينهما حالة متوسّطة. بل إنّما يعنى أنّه خارج عن جنس القسمة واللاّقسمة. فإذن ، الوجود بما هو وجود ـ أى لا بحسب مقارنة الزّمان والآن به ـ ليس إلاّ التّحقّق الصّرف من دون أن يكون على امتداد أو لا امتداد. وكذلك فى العدم الصّرف ليس إلاّ الانتفاء البحت من غير أن يتّصف باستمرار أو لا استمرار على معنى أنّ الوجود أو العدم بسنخ طباعه مع عزل النّظر عن تعلّقه بالزّمان أو الآن خارج عن جنس الاستمرار واللاّاستمرار ، لا أنّه متوسّط بينهما.
كما يقال : الفلك لا خفيف ولا ثقيل ، ولا يعنى متوسّط بينهما ؛ بل إنّه خارج عن جنس الخفّة والثّقل ، فهو سلب على الإطلاق. وكما يقال : الصّوت لا يرى ؛ فإنّه سلب على الإطلاق ، لا بمعنى أنّه متستر عن الرّؤية. وليس ذلك كما يقال : إنّ هذا الجسم لا حارّ ولا بارد. ويعنى به الفاتر.
ولست أعنى باللاّامتداد واللاّاستمرار مجرّد سلب الامتداد والاستمرار ، أى مقابلة السّلب والإيجاب. أفليس من البيّن أنّ المتقابلين تلك المقابلة لا يكون