<٦> استبصار
ألست إذن قد تأهّبت للحكم بأنّ الموجود الّذي لا يعتوره المكان والزّمان ، كما أنّه لا يوجد فى المكان وإنّما يوجد معه معيّة منشأة للفيئيّة لا كمعيّة المكانيّات ، بل على معنى أنّه متقرّر موجود فى نفس الأمر ، كما المكان موجود فى نفس الأمر ، فكذلك ليس هو يوجد فى الزّمان ، وإنّما يوجد مع الزّمان معيّة خارجة عن طور اللافيئيّة مرتفعة عن استلزامها ليست هى كمعيّة الزّمانيّات ، بل معناها أنّ ذلك الموجود والزّمان يجمعهما التقرّر والوجود فى نفس الأمر. فهذه المعيّة غير متقدّرة ولا داخلة فى جنس الامتداد والدّفعيّة.
فمن المستبين عندك أنّ الكائن فى شيء يلزمه أن يختصّ بذلك الشّيء على الانطباق عليه ، ولا كذلك الموجود مع شيء. فلست أظنّ أن تكون بعد ما تلى عليك ممّن لا يفرّق بين المعنيين.
فالامر الزّمانىّ هو ما يختصّ وقوعه بالانطباق على جميع الأزمنة أو على زمان ما بأحد من الوجهين اللّذين قد أومأنا إليهما أو على آن من الآنات. وما ليس زمانىّ ، فإنّه لا يكون كذلك ، بل إنّما يوجد مع الزّمان ، لا كمعيّة الزّمانيّات ، والجاعل يحيط بالزّمان كلّه دفعة.
وأمّا الزّمان ، لكونه متغيّرا سيّالا بذاته ، فلا يصحّ أن يقال : إنّه فيه ، ولا أنّه معه معيّة زمانيّة ، إلاّ لما يتغيّر بتغيّره ويسيل بسيلانه ، ويمكن أن يكون له ابتداء وانتهاء.
وأمّا ما هو خارج عن هذه فإنّما يصحّ أن يقال : إنّه يوجد مع الزّمان المعيّة التى هى إضافة عارضة بحسب شمول الوجود لهما. وربما وجب أن يكون له اقتران به طبيعىّ. فيتحقق بينهما تضايف بالفعل ، لا بالعرض. وذلك بأن يكون حاصلا بمحلّه ، كالفلك الأقصى أو جاعلا لذاته وفاعلا لوجوده ، وهو المبدأ الفعّال.
ومن الكلمات المحصّلة فى ذلك قول رئيس فلاسفة الإسلام أبى عليّ بن سينا فى كتبه : «وليس كلّ ما يوجد مع الزّمان فهو فيه ، فإنّا موجودون مع البرّة الواحدة