تقدّر له بالزّمان إلاّ بالعرض.
ومن متفلسفة الإسلاميّين من يتخيّل أنّ الدّهر هو مقدار الزّمان بجملته ، أى بماضيّاته ومستقبلاته جميعا على الاتصال. وكون هذا المقدار دائميّا غير منقطع الأوّل والآخر هو السّرمد. وقد أوضحنا ما يفضحه ويفشى فساده. وهناك ظنون سخيفة وأوهام فاسدة لا تستأهل إلاّ للإغماض عنها والإعراض عن ذكرها. وكلّ ما قد أعضل الأمر بمثير فتنة التّشكيك حتّى ألجأه إلى التّشبّث بذيل أفلاطن فيما ينسب إليه ، فقد صار مستبين السّخافة لديك بما أعطيناك وثبتناك عليه.
<١١> تذكير استيفاضيّ
إنّ ما حصّفناه فيما قد تلوناه عليك يضمن لك لو أعلمت الرّوية فيه تثبيت درايتك بالأمر فى افق الزّمان ووعاء الدّهر وعرش السّرمد ، وتشتّت ما لفّقته أوهام المتشككين من معاقد الشّبه والشّكوك.
فما يسوق العقل إلى الحكم بوجود الزّمان الّذي هو مقدار الحركة إنّما هو تحقّق القبليّة والبعديّة والمعيّة الامتداديّة المتقدّرة ، وكذلك إمكان اختلاف الحركات وتساويها أو تشابهها. وكذلك مسبوقيّة بعض المتقرّرات باستمرار البطلان ثمّ التّقرّر على استقرار خاصّ ثمّ انبتات التّقرّر ؛ فإنّ هذه الأحوال لا تتصوّر إلاّ بوجود كم متصل غير ذى وضع يتحقق به القبليّات والبعديّات والمعيّات الزّمانيّة ، وتتقدّر به الحركات ويتّصف التّقرّر والبطلان بحسب المقارنة له من جهة تخصّص بعض المتقرّرات والباطلات بالوقوع فيه بالاستمرار واللاّستمرار وباستمرارات مخصوصة بأقدار متعيّنة.
وما يوجب القول بوعاء الدّهر هو وجود المتقرّرات الثّابتة على الثّبات الصّرف بحيث لا يصلح أن يتوّهم فيه تغيّر وانتقال من حال إلى حال وامتداد أو لا امتداد وإن كان ذلك مسبوقا بالبطلان الصّرف لا باستمراره أولا استمراره.