بالدّفعة الدّهريّة والسّرمديّة ، لا بالدّفعة الآنيّة. ومن ذلك يعلم الأمر فى المراتب العالية على الزّمان من الجواهر المفارقة.
فإذن ، الامتداد الزّمانىّ المتصل الّذي هو سنخ التّغير وعنصر التّقضّى والتّجدّد وفلك المتغيّرات وعرش الزّمانيّات حاصر بجملة ما هو خاف من الحوادث الكونيّة عند مبدع الكلّ أزلا وأبدا. فحضور الشّيء عنده ـ وهو بعينه علمه بذلك الشّيء وعقله للأشياء ـ هو فيضانها عنه معقولة.
فإذن ، البارئ الجاعل يعلم جملة الزّمانيّات كلاّ منها فى وقته علما غير زمانىّ ويشاهد ما بينها من الأزمنة ، فلا يفوته شيء ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّة فى الأرض ولا فى السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، وهو بكلّ شيء محيط. فهذا هو صراط الحكمة الحقّة.
وكذلك قد حصّله الفلاسفة المحصّلون ، مشّاءوهم ورواقيّوهم. فمعلّم المشّائيّة فى الدّورة اليونانيّة بسط ذلك أو فى البسط تحصيلا وتفصيلا فى زبره ، ولا سيّما اثولوجيا. ورئيسهم فى الملّة الإسلاميّة بلغ الأمد الأقصى بسطا وتقريرا فى كتبه ، ولا سيّما التعليقات ، وقد نالوا الحقّ بما قالوا لو كانت الصّور العقليّة فائضة عن الأوّل ، لا معا ولا دفعة واحدة بلا زمان ، بل شيئا بعد شيء لم تكن معقولة بالحقيقة ، بل كانت ماديّة إذا كانت تكون بعد ما لم تكن. ولو كانت هو لا يدركها بالفعل معا ، بل شيئا بعد شيء لكان فيه أيضا قوّة تقبل الأشياء بعد ما لم يقبلها وكان مادّيّا.
<١٥> تشبيه وتمثيل
ألست إذا أخذت خيطا مختلف ألوان الأجزاء فأمررت فى محاذاة بعض ضيّقات الحدقة من الإحاطة بتلك الجملة دفعة ، كذرّة أو غيرها ، وجدت المتساوقة فى الحضور لديك لسعة إحاطتك متعاقبة الحضور عندها لضيق حدقتها. فاعتبر الأمر فى الامتداد الزّمانىّ بما فيه من الحوادث المرتبطة بالأزمنة والآنات المنتزعة منه واختلاف حضورها بالقياس إلى الزّمانيّات وبالإضافة إلى من هو خارج عنها