لم يكن بحسبه ذلك ، بل إنّما يمكن وجود الشّيء بعد سنخ العدم من غير أن يبطل ذلك الوجود مرّة اخرى.
ثمّ ممّا يجب أن يعلم هو أن وجود الشّيء فى افق الزّمان لا يكون ببطلانه عدمه فى زمان العدم ، بل هو بانتفاء العدم فى زمان الوجود. وكذلك عدمه هناك لا يكون ببطلان وجوده فى زمان الوجود ، بل إنّما هو بانتفاء وجوده فى زمان العدم.
فإذن ، لا العدم يرتفع فى زمان العدم ولا الوجود فى زمان الوجود ، وإلاّ يلزم أن يقترن النّقيضان فى التّحقّق ، بل الوجود فى زمان الوجود واجب غير مرتفع. وكذلك العدم فى زمان العدم واجب غير مرتفع ، لكن وجوبا بالغير ، فقد تلونا عليك شأن الوجود اللاّحق من قبل.
فإذن ، وجود الحادث فى افق الزّمان إنّما هو بحصوله فى الواقع ، لكن فى زمان هو بعد زمان العدم ، لا بارتفاع عدمه السّابق على الوجود عن ذلك الزّمان السّابق. وكذلك عدمه بعد الوجود معناه : عدم حصول وجوده فى زمان هو بعد زمان الوجود ، لا ارتفاع وجوده عن الزّمان الّذي هو قبل زمان العدم.
فالشّيء الواقع إذا وقع فى زمان ما لا يمكن أن يرتفع عن زمان وقوعه أبدا وإن لم يكن واقعا فى زمان آخر غير زمان وقوعه. وإذا وقع فى وعاء الدّهر فلا يتصوّر ارتفاعه فى وعاء الدّهر أصلا. ولهذا الفحص معاد ، ذكرىّ فى مستأنف القول ، فارتقبه فعسى بفضل اللّه أن يكون قريبا.
<١٩> ختم
إنّ مجعوليّة الماهيّات بالجعل البسيط الّذي بحسبه إثبات التّقدّم بالماهيّة ووعاء الدّهر والسّرمد بحسبه إثبات التّقدّم السّرمديّ ، وهما أصلان للحكمة الحقيقيّة اليمانيّة كالعمودين ، (أى كالوالدين منه ره) عنهما يتشعّب أكثر غصونها فى سماء الفحص التّحصيلىّ ، وبهما يرسخ عرق أعظم اصولها (١٤٥) فى أرض النّضج العلمىّ والاستواء العقلىّ ، وبازدواجهما يكمل قوام الحكمة القسطاسيّة