فإذن ، قد بزع الحقّ وبطل ما قد نبغ من الظنون الفاسدة وعرف مقصود التلميذ فى التحصيل بقوله : «إنّ الوهم يتلبّس الحركات المتقضّية باناس يجتاز الواحد منهم إثر الواحد ، فيجتمعون فى مكان واحد ، وليس الحال فى الحركات كذلك. فليس له ساغ إلاّ نفى الاجتماع فى الوجود والبقاء».
<٢٤> حكاية تشييديّة
إنّ رئيسهم أبا عليّ بن سينا ذكر فى طبيعىّ الشفاء جملة الشكوك المقولة فى أمر الزّمان ، فقال : «فمن جملة هذه الشّكوك وجوب أن يكون للزمان وجود ، اضطرّ كثير من النّاس إلى أن جعل للزّمان نحوا من الوجود آخر. وهو الوجود الّذي يكون فى التّوهّم». وقال بعد ذلك : والاولى بها أن ندلّ أوّلا على نحو وجود الزّمان وعلى ماهيّته ، بأن نجعل الطريق إلى وجوده من ماهيته. ثمّ نكر على هذه الشّبهة فنحلّها».
ثمّ قال فى آخر الفصل : «وإذ قد أشرنا إلى المذاهب الباطلة فى ماهيّة الزّمان ، فحقيق بنا أن نشير إلى ماهيّة الزمان ، فيضح لنا من هناك وجوده ، ويتّضح حلّ الشّبه المذكورة فى وجوده» (١٦٦).
ثمّ عقد فصلا فى تلك الشّكوك ، فقال بهذه الألفاظ :
«وأمّا الزّمان فإنّ جميع ما قيل فى أمر عدمه وأنّه لا وجود له ، فهو مبنيّ على أن لا وجود له فى الآن. وفرق بين أن يقال : لا وجود له مطلقا وبين أن يقال : لا وجود له فى الآن حاصلا. ونحن نسلّم ونصحّح أنّ الوجود المحصّل على هذا النّحو لا يكون للزّمان إلاّ فى النّفس والتّوهّم.
وأمّا الوجود المطلق المقابل للعدم المطلق فذلك صحيح له ؛ فإنّه إن لم يكن ذلك صحيحا له ، صدق سلبه ، فصدق أن نقول : إنّه ليس بين طرفى المسافة مقدار إمكان لحركة على حدّ من السّرعة (١٥٦) يقطعها ، وإن كان هذا السّلب كاذبا ، بل كان للحركة على ذلك الحدّ للحركة على ذلك الحدّ من السّرعة مقدار فيه يمكن قطع هذه المسافة ، ويمكن قطع غيرها بأبطإ وأسرع ، على ما قد بيّنا قبل.