طبيعة الوجود المشترك البديهىّ فقط ، إذ لم يتبيّن من ذلك أنّ الكون فى الأعيان هو البتّة كون شيء.
ثمّ الفحص والبرهان أوجبا أنّ بعض الكون فى الأعيان هو يقترن بشيء ما ، وبعضه لا يقترن بشيء ، لأنّ الكون فى الأعيان الّذي لا سبب له لو كان متعلّقا بشيء لكان ذلك الشّيء سببا ما لذلك الكون وقد فرض أنّه لا سبب له.
فإذا قلنا : كذا موجود ، فلسنا نعنى أنّ الوجود معنى خارج ، فإنّ كون الوجود معنى خارجا عن الماهيّات إنّما يعرف ببرهان ، حيث يكون ماهيّة ووجود ، كالإنسان الموجود ؛ ولكنّا إنّما نعنى به مجرّد أنّ كذا فى الأعيان أو فى الذّهن. وهذا على ضربين : منه ما يكون فى الأعيان أو فى النّفس بوجود ينتزع منه ؛ ومنه ما لا يكون كذلك ، بل إنّما يكون فى الأعيان بنفس ذاته.
فالوجود الّذي هو الكون فى الأعيان ويصدق أنّه فى الأعيان ليس يحتاج فى أن يكون فى الأعيان إلى كون فى الأعيان يقترن به أو ينتزع منه ، فإنّ ما به صيرورة كلّ شيء فى الأعيان هو أولى بأن يكون بذاته فى الأعيان.
وفرق بين «لذاته فى الأعيان» وبين «بذاته فى الأعيان» ، فإنّ ما يكون لذاته فى الأعيان يصحّ أن يكون له سبب ؛ وما يكون بذاته لا يكون له سبب.
وبالجملة ، الوجود المطلق معنى مصدريّ لا يؤخذ من مبدأ المحمول قائم بالموضوع انضماما أو انتزاعا ، بل من نفس ذات الموضوع المجعولة بجعل الجاعل إيّاها ، ولا يتصوّر لذلك المعنى تحصّل وتقوّم إلاّ بنفس الإضافة إلى موضوعه ، لا قبل الإضافة.
وإذ دريت أنّ حقيقته : أنّ موضوعه فى الأعيان لا غير ؛ فاعلمن : أنّ مرتبة ذات موضوعه فى العين أو فى الذّهن اصطلح على التّعبير عنها بفعليّة الماهيّة ووضع لها اسم هو تقرّر الذّات ، وحيثيّة هذا المفهوم المصدرىّ المنتزع تسمّى بالوجود ويعبّر عنها بالموجوديّة ؛ فإنّ تقرّر الماهيّة وفعليّتها وإن لم تنسلخ عن اقتران الوجود إلاّ فى اعتبار العقل إلاّ أنّها مستتبعة للموجوديّة ، والموجوديّة مسبوقة بها