على هذا الضوء يمكننا أن نفسِّر موقف جماعةٍ من المحدّثين عارضوا الاجتهاد وبالتالي شجبوا علم الاصول ، فإنّ هؤلاء استفزّتهم كلمة «الاجتهاد» ؛ لِمَا تحمل من تراث المصطلح الأول الذي شنَّ أهل البيت عليهمالسلام حملةً شديدةً عليه ، فحرّموا الاجتهاد الذي حمل المجتهدون من فقهائنا رايته ، واستدلّوا على ذلك بموقف الأئمّة عليهمالسلام ومدرستهم الفقهية ضدّ الاجتهاد ، وهم لا يعلمون أنّ ذلك الموقف كان ضدّ المعنى الأول للاجتهاد ، والفقهاء من الأصحاب قالوا بالمعنى الثاني للكلمة.
وهكذا واجهت عملية الاستنباط هجوماً مريراً من هؤلاء باسم الهجوم على الاجتهاد ، وتحمّلت التبعات التأريخية لهذه الكلمة ، وبالتالي امتدّ الهجوم إلى علم الاصول لارتباطه بعملية الاستنباط والاجتهاد.
ونحن بعد أن ميَّزنا بين معنَيي الاجتهاد نستطيع أن نعيد إلى المسألة بداهتها ، ونتبيّن بوضوحٍ أنّ جواز الاجتهاد بالمعنى المرادف لعملية الاستنباط من البديهيات.
وما دامت عملية استنباط الحكم الشرعي جائزةً بالبداهة فمن الضروري أن يحتفظ بعلم الاصول لدراسة العناصر المشتركة في هذه العملية.
ويبقى علينا ـ بعد أن أثبتنا جواز عملية الاستنباط في الإسلام ـ أن ندرس نقطتين :
إحداهما هي : أنّ الإسلام هل يسمح بهذه العملية في كلّ عصرٍ ولكلّ فرد ، أو لا يسمح بها إلّا لبعض الأفراد وفي بعض العصور؟
والنقطة الاخرى هي : أنّ الاسلام كما يسمح للشخص أن يستنبط حكمه هل يسمح له باستنباط حكم غيره وإفتائه بذلك؟ وسوف ندرس هاتين النقطتين في بعض الحلقات المقبلة التي أعددناها لمراحل أعلى من دراسة هذا العلم.