وجعل من آرائه ونظرياته شيئاً مقدّساً لا يمكن أن ينال باعتراضٍ أو يخضع لتمحيص.
ففي المعالم كتب الشيخ حسن بن زين الدين ناقلاً عن أبيه قدسسره : أنّ أكثر الفقهاء الذين نشئوا بعد الشيخ كانوا يتّبعونه في الفتوى تقليداً له ؛ لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنّهم به (١). وروي عن الحِمصي ـ وهو ممّن عاصر تلك الفترة ـ أنّه قال : «لم يبقَ للإمامية مُفتٍ على التحقيق ، بل كلّهم حاكٍ» (٢).
وهذا يعني أنّ ردّ الفعل العاطفي لتجديدات الشيخ قد طغى متمثّلاً في تلك النزعة التقديسية على ردّ الفعل الفكري الذي كان ينبغي أن يتمثّل في درس القضايا والمشاكل التي طرحها الشيخ والاستمرار في تنمية الفكر الفقهي.
وقد بلغ من استفحال تلك النزعة التقديسية في نفوس الأصحاب أنَّا نجد فيهم من يتحدّث عن رؤيا لأمير المؤمنين عليهالسلام شهد فيها الإمام عليهالسلام بصحة كلّ ما ذكره الشيخ الطوسي في كتابه الفقهي «النهاية» (٣) ، وهو يشهد عن مدى تغلغل النفوذ الفكري والروحي للشيخ في أعماق نفوسهم.
ولكنّ هذا السبب لتفسير الركود الفكري قد يكون مرتبطاً بالسبب الأول ، إذ لا يكفي التقدير العلمي لفقيهٍ في العادة مهما بلغ لكي يغلق على الفكر الفقهي للآخرين أبواب النموّ والتفاعل مع آراء ذلك الفقيه ، وإنّما يتحقّق هذا عادةً حين لا يكون هؤلاء في المستوى العلمي الذي يؤهِّلهم لهذا التفاعل ، فيتحوّل التقدير إلى إيمانٍ وتعبّد.
__________________
(١) معالم الدين : ١٧٦
(٢) رواه ابن طاووس في كشف المحجّة لثمرة المهجة : ١٨٥
(٣) خاتمة مستدرك الوسائل ٣ : ١٧١