٤ ـ الظرف الموضوعي الذي يعيشه المفكّر الاصولي : فإنّ الاصولي قد يعيش في ظرفٍ معيّنٍ فيستمدّ من طبيعة ظرفه بعض أفكاره ، ومثاله : اولئك العلماء الذين كانوا يعيشون في العصر الأول ويجدون الدليل الشرعي الواضح ميسراً لهم في جُلِّ ما يواجهونه من حاجاتٍ وقضايا ، نتيجةً لقرب عهدهم بالأئمّة عليهمالسلام ، وقلّة ما يحتاجون إليه من مسائل نسبياً ، فقد ساعد ظرفهم ذلك وسهولة استحصال الدليل فيه على أن يتصوّروا أنّ هذه الحالة حالة مطلقة ثابتة في جميع العصور. وعلى هذا الأساس ادّعوا أنّ من اللطف الواجب على الله أن يجعل على كلِّ حكمٍ شرعيٍّ دليلاً واضحاً ما دام الإنسان مكلّفاً والشريعة باقية.
٥ ـ عامل الزمن : وأعني بذلك أنّ الفاصل الزمني بين الفكر الفقهي وعصر النصوص كلّما اتّسع وازداد تجدّدت مشاكل وكلّف علم الاصول بدراستها ، فعلم الاصول يُمنى نتيجةً لعامل الزمن وازدياد البعد عن عصر النصوص بألوانٍ من المشاكل ، فينمو بدراستها والتفكير في وضع الحلول المناسبة لها.
ومثال ذلك : أنّ الفكر العلمي ما دخل العصر الثاني حتى وجد نفسه قد ابتعد عن عصر النصوص بمسافةٍ تجعل أكثر الأخبار والروايات التي لديه غير قطعية الصدور ، ولا يتيسّر الاطّلاع المباشر على صحتها كما كان ميسوراً في كثيرٍ من الأحيان لفقهاء العصر الأول ، فبرزت أهمّية الخبر الظنّي ومشاكل حجّيته ، وفرضت هذه الأهمّية واتّساع الحاجة إلى الأخبار الظنّية على الفكر العلمي أن يتوسّع في بحث تلك المشاكل ويعوِّض عن قطعية الروايات بالفحص عن دليلٍ شرعيٍّ يدلّ على حجّيتها وإن كانت ظنّية ، وكان الشيخ الطوسي رائد العصر الثاني هو أول من توسّع في بحث حجّية الخبر الظنّي وإثباتها.
ولمّا دخل العلم في العصر الثالث أدّى اتّساع الفاصل الزمني إلى الشكّ حتّى في مدارك حجّية الخبر ودليلها الذي استند إليه الشيخ في مستهلّ العصر