ومنهم الشيخ الفقيه المجدِّد محمد بن الحسن الطوسي ـ المتوفّى سنة ٤٦٠ ه ـ الذي انتهت إليه الزعامة الفقهية بعد استاذيه الشيخ المفيد والسيّد المرتضى ، فقد كتب كتاباً في الاصول باسم «العدّة في الاصول» ، وانتقل علم الاصول على يده إلى دورٍ جديدٍ من النضج الفكري ، كما انتقل الفقه أيضاً إلى مستوى أرفع من التفريع والتوسّع.
وكان يقوم في هذا العصر إلى صفّ البحث الاصولي عمل واسع النطاق في جمع الأحاديث المنقولة عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ودمج المجاميع الصغيرة في موسوعاتٍ كبيرة ، فما انتهى ذلك العصر حتّى حصل الفكر العلمي الإمامي على مصادر أربعةٍ موسّعةٍ للحديث ، وهي : الكافي لثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني ـ المتوفّى سنة ٣٢٩ ه ـ ومن لا يحضره الفقيه للصدوق محمد بن عليّ بن الحسين ـ المتوفّى سنة ٣٨١ ه ـ والتهذيب للشيخ الطوسي ألّفه في حياة الشيخ المفيد ، والاستبصار له أيضاً. وتسمّى هذه الكتب في العرف الإمامي بالكتب الأربعة.
لم تكن مساهمة الشيخ الطوسي في الاصول مجرّد استمرار للخطّ ، وإنّما كانت تعبِّر عن تطورٍ جديدٍ كجزءٍ من تطورٍ شاملٍ في التفكير الفقهي والعلمي كلّه اتيح لهذا الفقيه الرائد أن يحقّقه ، فكان كتاب «العدّة» تعبيراً عن الجانب الاصولي من التطور ، بينما كان كتاب «المبسوط» في الفقه تعبيراً عن التطور العظيم في البحث الفقهي على صعيد التطبيق بالشكل الذي يوازي التطور الاصولي على صعيد النظريات.
والفارق الكيفي بين اتّجاهات العلم التي انطلقت من هذا التطور الجديد