ويحدّد معناه ، ولكن توجد في مقابل هذا التنوّع وهذه الاختلافات بين المواقف الثلاثة عناصر مشتركة أدخلها الفقيه في عملية الاستنباط في المواقف الثلاثة جميعاً.
فمن تلك العناصر المشتركة الرجوع إلى العرف العام في فهم النصّ (١) ، فإنّ الفقيه اعتمد في فهمه للنصّ في كلّ موقفٍ على طريقة فهم العرف العام للنصّ ، وذلك يعني أنّ العرف العام حجّة ومرجع في تعيين مدلول اللفظ. وهذا ما يطلق عليه في علم الاصول اسم «حجية الظهور» (٢) ، فحجّية الظهور إذن عنصر مشترك في عمليات الاستنباط الثلاث.
وكذلك أيضاً يوجد عنصر مشترك آخر ، وهو أمر الشارع باتّباع روايات الثقات ؛ لأنّ الفقيه في كلّ عمليةٍ من عمليات الاستنباط الثلاث كان يواجه نصّاً يرويه ثقة قد يحتمل فيه الخطأ والشذوذ ؛ لعدم كونه معصوماً ، ولكنّه تجاوز هذا الاحتمال وأخرجه من حسابه استناداً إلى أمر الشارع باتّباع روايات الثقات ، وهو ما نطلق عليه اسم «حجّية الخبر». ومعنى هذا أنّ حجّية الخبر عنصر مشترك في عمليات الاستنباط الثلاث ، ولو لا هذا العنصر المشترك لَما أمكن للفقيه أن يستنبط حرمة الارتماس في الموقف الأول ، ولا عدم وجوب الخمس من رواية عليّ بن مهزيار في الموقف الثاني ، ولا بطلان الصلاة بالقهقهة في الموقف الثالث.
__________________
(١) نريد بالنصّ هنا : الكلام المنقول عن المعصوم عليهالسلام (المؤلّف قدسسره)
(٢) الحجّية في مصطلح علم الاصول تعني كون الدليل صالحاً لاحتجاج المولى به على العبد بقصد مؤاخذته إذا لم يعمل العبد به ، ولاحتجاج العبد به على المولى بقصد التخلّص من العقاب إذا عمل به. فكلّ دليلٍ له هذه الصلاحية من كلتا الناحيتين يعتبر حجّةً في المصطلح الاصولي ، وظهور كلام المولى من هذا القبيل ، ولهذا يوصف بالحجّية (المؤلّف قدسسره)