الدلائل ، ولهم الاقتدار على تأصيل الاصول والقواعد الكلّية عن الأدلّة القائمة عليها في الشريعة ، والتسلّط على تفريع الفروع عليها واستخراج أحكامها منها ، وهم الاصوليون منهم ، كالعماني ، والإسكافي ، وشيخنا المفيد ، وسيّدنا المرتضى ، والشيخ ، وغيرهم ممّن يحذو حذوهم.
وأنت إذا تأمّلت لا تجد فرقاً بين الطريقتين إلّا من جهة كون هؤلاء أرباب التحقيق في المطالب ، وأصحاب النظر الدقيق في استنباط المقاصد وتفريع الفروع على القواعد ، ولهذا اتّسعت دائرتهم في البحث والنظر ، وأكثروا من بيان الفروع والمسائل ، وتعدَّوا عن متون الأخبار ... ، واولئك المحدّثون ليسوا غالباً بتلك القوة من الملكة وذلك التمكّن من الفنّ ، فلذا اقتصروا على ظواهر الروايات ، ولم يتعدّوا غالباً عن ظواهر مضامينها ، ولم يوسّعوا الدائرة في التفريعات على القواعد ، وأنّهم لمّا كانوا في أوائل انتشار الفقه وظهور المذهب كان من شأنهم تنقيح اصول الأحكام التي عمدتها الأخبار المأثورة عن العترة الطاهرة ، فلم يتمكّنوا من مزيد إمعان النظر في مضامينها وتكثير الفروع المتفرّعة عليها ، ثمّ إنّ ذلك إنّما حصل بتلاحق الأفكار في الأزمنة المتأخّرة» (١).
وفي كتاب الحدائق يعترف الفقيه الجليل الشيخ يوسف البحراني ـ بالرغم من موافقته على بعض أفكار المحدّث الأسترآبادي ـ بأنّ هذا المحدّث هو أوّل من جعل الأخبارية مذهباً ، وأوجد الاختلاف في صفوف العلماء على أساس ذلك ، فقد كتب يقول : «ولم يرتفع صيت هذا الخلاف ، ولا وقع هذا الاعتساف إلّا من زمن صاحب الفوائد المدنية سامحه الله تعالى برحمته المرضية ، فإنّه قد جرّد لسان التشنيع على الأصحاب ، وأسهب في ذلك أيّ إسهاب ، وأكثر من التعصّبات
__________________
(١) هداية المسترشدين : ٤٨٣ ، السطر ٣١