الاستنباط ، فقد كان في فقهاء الشيعة منذ العصور الاولى علماء أخباريون يمثّلون المرحلة البدائية من التفكير الفقهي ، وهؤلاء هم الذين تحدّث عنهم الشيخ الطوسي في كتاب المبسوط (١) ، وعن ضيق افقهم ، واقتصارهم في بحوثهم الفقهية على اصول المسائل ، وانصرافهم عن التفريع والتوسّع في التطبيق. وفي النقطة المقابلة لهم الفقهاء الاصوليون الذين يفكّرون بذهنيةٍ اصوليةٍ ويمارسون التفريع الفقهي في نطاقٍ واسع. فالأخبارية القديمة إذن تعبِّر عن مستوى من مستويات الفكر الفقهي ، لا عن مذهبٍ من مذاهبه.
وهذا ما أكّده المحقّق الجليل الشيخ محمد تقي ـ المتوفّى سنة ١٢٤٨ ه ـ في تعليقته الضخمة على المعالم ، إذ كتب بهذا الشأن يقول :
«فإن قلت : إنّ علماء الشيعة كانوا من قديم الزمان على صنفين : أخباري واصولي ، كما أشار إليه العلّامة في النهاية وغيره.
قلت : إنّه وإن كان المتقدِّمون من علمائنا على صنفين وكان فيهم أخبارية إلّا أنّه لم تكن طريقتهم ما زعمه هؤلاء ، بل لم يكن الاختلاف بينهم وبين الاصولية إلّا في سعة الباع في التفريعات الفقهية ، وقوة النظر إلى القواعد الكلّية والاقتدار على تفريع الفروع عليها ، فقد كانت طائفة منهم أرباب النصوص ورواة الأخبار ، ولم تكن طريقتهم التعدّي عن مضامين الروايات وموارد النصوص ، بل كانوا يفتون غالباً على طبق ما يروون ويحكمون على وفق متون الأخبار ، ولم يكن كثير منهم من أهل النظر والتعمّق في المسائل العلمية ... ، وهؤلاء لا يتعرّضون غالباً للفروع غير المنصوصة ، وهم المعروفون بالأخبارية. وطائفة منهم أرباب النظر والبحث عن المسائل ، وأصحاب التحقيق والتدقيق في استعلام الأحكام من
__________________
(١) المبسوط ١ : ١ ـ ٢